تعديل التعديلات !


خاص - كتب ادهم غرايبة - يكتسب الدستور قدسيته السياسية لكونه شبه جامد لا يتغير مع مطلع كل شمس ,أولا , و لكونه - ثانيا – يُخضع الجميع تحت نصه و روحه بوصفه " اب القوانين " كما يوصف . و لانه – ثالثا , و من حيث المبدأ – يكرس سلطة الشعب , و يكرس مبدأ فصل السلطات, و يضمن حقوق الشعب و واجبات الحاكم , لا العكس كما نظن !

قلت أن الدستور يكسب وقاره من شبه جموده , و ضعف قابليته للتعديل كلما نودي لصلاة الظهر ! , بالطبع قد تحتم ظروف سياسية , و اقتصادية ,و اجتماعية تعديل , او شطب , او اضافة بعض النصوص , لكن ذلك يحدث في آجال زمنية متباعدة من جهة و ليس على نطاق واسع , و في ظل نقاش عام يشمل كل اجهزة, و قطاعات الدولة , و تقترحة – عادة – لجنة مختصة و مستقلة لها طابع قانوني , و سياسي , يغطي كل الاطياف السياسية , و يتم اقرار – لاحقا – بحسب استفتاء شعبي عام.

هذا كله يحدث طبعا في دول , لا مزارع !

اردنيا , فإن عشرات التعديلات اصابت نصوص و جوهر دستور العام 1952 بتشوهات افقدته مضامينه من حيث انها تعدت على مبدأ سلطة الشعب .

اليك مثال واحد فقط . في احد التعديلات " الماده 34 فقرة 4 ما نصه : للملك ان يحل مجلس النواب.

هذا هو النص الحرفي , حل مجلس النواب بدون اي سبب محدد . اغلب دول العالم المتحضر تحصن من خلال دساتيرها مجالسها المنتخبة و تقصر حلها على احد امرين : اما انتهاء المدة الدستورية , او ان يتوافق اعضاء المجلس على حل مجلسهم لسبب ما قبل حلول الاجل الدستوري للحل . و لا يستطيع احد اخر ايا كانت صفته ان يحل تلك المجالس .

دستور 52 - قبل التعديلات التي طرأت عليه طيلة العقود الماضية و مرت دون ان يتفوه احد غالبا – كان دستورا مقبولا قدمه جلالة المغفور له الملك طلال بن عبد الله للاردنيين قبل ان يرحلوا " ثلاثتهم " الى ذمة الله !

ما دواعي تعديل دستوري يتيح لمزدوج الجنسية تولي المنصب العام ؟! و للعلم فإن هذه الفقرة هي " تعديل للتعديل " , لان لجنة ملكية اقرت تعديلات في اعقاب الحراك الوطني منعت الاردني الذي يملك جنسية اخرى من تولي المناصب ! , هل يفتقر الشعب الاردني لرجل نزيه واحد ممن يحتفظون بالجنسية الاردنية فقط ليتولى منصبا عاما حساسا ؟!

من يريد ان يتخلى عن جواز سفر بلده فله ذلك , دون ان التشكيك بانتماءه للاردن , كثر هم من باتوا يفعلون ذلك لاسباب معيشة بعد تراجع كل شيء في الاردن . و انا على يقين بان نسبة وازنة من هؤلاء مكسب حقيقي للاردن و الاردنيين , لكن المصيبة اليوم اننا نشكك - بحكم التجربة – بنوايا التعديلات التي يرى اكثر الناس انها تستهدف اعادة تدوير لاسماء غير مرغوبة شعبيا , فعودة اسماء التوتير باتت شبه مؤكدة سيما ان الشعب الاردني لا يبدى حتى مجرد امتعاظه على هؤلاء و يكتفي ب " الشكونة " المكبوتة .

الى الان لم يجب رئيس الحكومة الحالية عن سؤال وجهته له النائب هند الفايز قبل التعديلات المقترحة عن صحة جنسيته الكندية ! . مع ذلك فأن التعديلات المقترحة ليس هدفها الرئيس الحالي بل القادم حتما .

نائب اردني من اكبر" نوائب " هذا المجلس كانت له مداخلة تسجل في تاريخ الكوميديا السياسية على مستوى العالم علق على التعديلات المقترحة مبديا تحمسه لها لاسباب لا نعرفها نحن , و لا يعرفها هو قائلا " ان الدين الاسلامي يسمح للمسلم الزواج باربع نساء " !! , متسائلا عن جدوى منع مزدوجي الجنسية من تولي منصب رسمي ؟!

من الطبيعي ان يصدر هكذا تعليق من نائب لا يعرف شيء اسمه " كرامة وطنية " !

لو لم تكن السلطة التنفيذية متغولة و بيدها انتاج سلطة تشريعيه من شاكلها الذين نراهم لما قلنا اننا نحتاج حقا لدستور جدي بالكامل !

في كل يوم يتغير لون الاردني ليصبح " اردني احمر " عما قريب !



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات