موكب من درّاجات


تقودنا بقايا من هواية طفولية انْ نطير مع أي سرب يحلّق على مرأى عقولنا , نتشكّل فيها صورة بالأبيض والأسود تجسّد واقعنا التعيس ,اطارها صناعة يدوية محلية وراعيها تاجر تحف, يبقيها دوماً قربه لأنه يؤمن أنّها تجلب له الحظّ , ولأنّها ببساطتها لا تثقل بالأعباء بقدر ما تدرّ عليه ربحاً وعملاء ومهاجرين ..... صورة ما زالت صامدة رغم أنّها مُهمَلة , وحيدة , وحزينة , سرّها في ابتسامتها كالموناليزا ... يقال انها كانت ملكية لأحد الرعاة ..الا انها اغتصبت من رجل غني أعور ابّان الثورة الحديدية ...
اعتدنا في المنطقة أنْ نّسمعَ هدير محركاتها البرجوازي , موكب من دراجات نارية يجوب اركان بعض البلدات والمدن سوادها اللامع يذكرني بأفلام الرعب و راكبوها المدجّجون محترفون وهادئون أناقتهم كأناقة مصاصي الدماء ... مشهد بانوراميّ يتجول في ذاكرتي ليحطّ رحاله على حديث قصصيّ بطله حي بن يقظان, أو لقطة هناك في مزرعة الحيوان يحشد فيها نابليون أراء العامة بعد انْ نفى سنوبول . منظر اسبوعي متكرر , نقطة انطلاقه مجهولة ولم يشغلني لحظة اين ستركن هياكل دراجاته القوية الحسّاسة.
هذا السيل من المركبات ثنائية العجل ليس مزعجا الى هذا الحد - لانّ الصوت على الأغلب قد أُدْمن - بل تلحق به احياناً ايجابية لاإرادية فهو كما علمت كان سبباً في اصلاح طرقٍ ظلت تشكل رعبا لمن يسلكها طوال عقود , , لكنه في كتاب تفسير الهوايات يثير حفيظة ما في الفقر ويقلب المواجع على ذكريات مغبرّة , أشعر عندما تمر برفق بلطافة صناعتها وسطوة راكبيها ... تناقض ليس فيه الخطأ مطبعي ولا مصنعي ولكن بالغاية التي تبرر الوسيلة .
موكب يلقى حضورا لا بأس به عند جمع من المراهقين وغيرهم , يحدّقون , يستمتعون , يتمتمون ,شغف بطعم الامل , وأمنيات تخلع ثوب التقليد لتنتحر على حافة اطار فخم ومقود انسيابي الشكل..تحول أخر من الاهتمام كّون شعبية وهمية واتحاد مؤقت لا أظن يتماسك طويلا حيت تخترق احلامه - ليلة صافية - رؤية حقة او ربما لاحقاً مع أوّل تفاعلٍ انسانيّ مع واقع مترهل ...
موكب من الفوارق الفكرية , يثبت أنّ هناك امتداد تاريخي من المراسلات السرية والتوريث الظالم , و تحدي يضع سكة الحديد وخيمة البدوي في منطقة الحرام , يصرّح في كل شارع يمر به انه لا يهتم بتفاصيل المكان ولا حالة الفنجان , يقنص الهدف ثم يعود ليذخّر ,إصرارٌ يضع الاسود و الطيور في الاقفاص وترصد من زاوية حريّة يبقي الأمان عالق في منتصف الطريق ورهن اشارة الصياد.
توقيت حضوره متقلب ويصعب تخمينه ,عندما ترعد ألحانه قادمة مزمجرة تنتابني حالة هستيرية أشعر فيها انّ الليلة هي ليلة القبض على فاطمة .لا شك حاز على اعجابي في النوبات الأولى لكنه مع مرور الوقت أصبح يشتت أفكاري , وينهش بعواطفي ويقلل من احترامي لنفسي و انتمائي لسيارتي ......
يذكرني مروره باحتفال يوم الارض ...لا أحد هناك سوى المعدّون والمنتجون والمخرجون وممثلون من الداخلية والخارجية بربطات عنق حمراء...الارض هامدة والجمهور على مسيرة مائة عام من الوصول....
موكب يتعمّد ارْباكنا في استعراضه المتتابع... وكأنه سرٌّ بوليسي كريستي التأليف , وبتَحفّظٍ يختال بالطبقية ليُعْلن أنّ اي قلبٍ شجاعٍ لن يكون إلا رأساً على مقصلة النبلاء , لا ينقصه سوى رايات سوداء , تمنحه حق انتهاك العذرية وتكفير العابدين , وتعطيه مظهرا يحاكي مفاهيم شريعة الغاب ويسقط عناوين الانسانية في شباك الخوف والجوع.....
لكنّ تعاطفا غريب ما زال هناك بين الرهينة والخاطف يلقي الوجوم على الوجوه الحرة اسئلة عن الحقيقة ...عقدة ستوكهولم ...
ربما يأخذ الوصف مبلغه أو أنه شذ بانهيار الفكر عندما تسيطر سفالة الأشياء...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات