هل ما زالت ثقافة المقاومة إشكالية


هل ما زالت ثقافة المقاومة إشكالية أساسية في الذهنية العربية ؟!! الدكتور الشريف رعد صلاح المبيضين

في تقديري المتواضع ثمة صعوبة في الإجابة على هذا السؤال ، سيما وأن التشابكات في رؤية الأهداف والمصالح العربية المختلفة ، وحالة الضعف التي تنيخ بكل ثقلها على مظاهر الحياة في الدول العربية، في ظل تزايد اعتماد الدول على الإعلام الموجه ، و الموظف في خدمة المشاريع الصهيو ـ أمريكية في المنطقة ، إعلام الخوف والتردد والمواربة ، وتضييق الخناق والرقابة والمنع والملاحقة حتى على الصفحات الشخصية في الفيس بوك ، كل ذلك يسهم في صعوبة الإجابة .

إلا أن هذه الحقيقة لا تغير من انجازات ثقافة المقاومة ، التي لا ولن توضع في مأزق كبير كما يراد لها ، لغايات اللجوء إلى الحماية الخارجية من الثقافة التي تعتبر في عرفهم إرهاب ، مع أنهم صناع الإرهاب وأدواته وخدمه ،و يريدون ثقافة مستوردة جاهزة معلبة ، ويعملون وبكل طاقاتهم الإعلامية الفاسدة والمفسدة على توطين هذه الثقافة والتلهي بها ، لكي تتراجع ثقافة المقاومة وتفقد الجزء الأهم من دورها في إحياء الأمة وبعثها من جديد على المستويين الإنساني والحضاري ، سيما وأن العمل على إعداد الإنسان تعليماً وتدريباً وتأهيلاً، هو الأخطر عليهم وعلى مشغليهم ، لأنه يوصلنا حتماً إلى جيل من الشباب القادر على التفكير المستنير والتحليل والإبداع والتميز في التحرر ، المدرك لحقوقه في الوطنية الإنسانية المحلية والإقليمية والعالمية ، وصولاً إلى المقاوم الأنموذج في العصر الحديث ، الحريص على المشاركة الإيجابية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ، المؤمن بالبناء والعمل ، والذي يعتبر ثقافة المقاومة حاجة ملحة لتطوير منظومة المقاومة إقليمياً وعالمياً بشكل متكامل وإستراتيجية شاملة ، إستراتيجية مدركه لمضامين الإنسانية والأمن الإنساني العالمي العام ، لتعزز العدالة والمساواة الاقتصادية والاجتماعية وتكافؤ الفرص بين كافة الشعوب ، وقد أثبتت ثقافة المقاومة نجاعتها في استنهاض طاقات الشباب العربي وحشد قواه ، وزيادة وعيه بالأخطار القادمة ، مما دفعه إلى المواجهة والتحدي ،لكونه محصلة ثقافية لعناصر وقوى كثيرة متعددة ومتنوعة ، تحرض وتمتلك الوعي والصميم والإرادة ، مما جعلها السلاح الأخطر والأشد خطراً على كل الخطط والبرامج والمشاريع الصهيو ـ تكفيرية في المنطقة وعموم الإقليم ، والخصم يدرك ذلك جيداً ، ويعي ما تقوم فيه ثقافة المقاومة ، لهذا نجده يركز أكثر من أية فترة سابقة على هذه الجبهة لاختراقها وشراء رموزها وتطويقها ، خاصة بعد ما حققت نجاحات وعلى كل المستويات ، وهاهي قنواتهم المستأجرة ، تحاول إقناعنا بانتهاء المرحلة الوطنية حتى لو كان حديثنا في المقاومة عن الوطنية الإنسانية ، سيحاولن إدخاله ضمن بوابة الكفر ، مع أنه العنوان الرئيس والمحرك للحياة المعاصرة ، هم لا يريدون مفاهيم عالمية إنسانية ، يريدون عولمة تؤكد على أن الرأسمالية المتوحشة والمتعفنة هي النموذج الأرقى والأكمل ، وعلى الآخرين اعتمادها كمثال ، أموال بالمليارات تغدق لشراء الأكاديميين والصحفيين والمثقفين واحتضانهم ، وجوائز تلعب دوراً بارزاً في جذب المثقفين ، ومن يستعص من هؤلاء فهنالك وسائل مثل الحصار المالي والمضايقة بشتى النواحي إعلامياً وأدبياً ومالياً ، والتخويف ، وغيرها من السياسات ، لماذا ؟!!

لتدمير فكر وثقافة المقاومة أو على الأقل تشويشها وإشغالها ، من خلال إغراقها بمواضيع ثانوية أو هامشية ، إلا أن براعة فكر المقاومة وقدرته على التعامل مع الواقع ضمن إطار مكننا من استعادة الذاكرة الغائبة ، يجعلنا نقر بأن ثقافة المقاومة غدت من مكونات الهوية العربية الحديثة في اللحظة الأخطر التي رسمت للأمة منذ قرون ، لحظة الاقتراب من الفناء الفعلي للأمة وليس على سبيل المجاز اللغوي ، لهذا أعتقد أنها تجاوزت معادلة الإشكالية ، وبدأت في مراحل التحولات في الدول العربية عموماً ، بالتالي فإن خيار المقاومة سيكون الخيار الوحيد في المنطقة ، بعد أن سقطت كل الصيغ السياسية القديمة أو على الأقل تكشفت وتراجعت ، ولم يعد لديها القدرة على أن تكون صيغة للمستقبل ، من هنا تأتي أهمية تحليل فكر المقاومة وفهمه ، وإنصافه في جدلية المقاومة والإرهاب لنثري عموم الصورة العربية الشاملة لمنظور الواقع ونتخطاه عند كل مواجهة قادمة ..!!

وهنا على كافة الدول العربية أن تعترف بحقيقة أن ثقافة المقاومة أخرجت عموم الثقافة العربية من الظلام الدامس ومن مهزلة التنظير إلى التعبير، ومن حبر الكلمات إلى حيز الفعل، وحررتها من تبعية الاستهلاك الثقافي الذي عمل على إشاعة اليأس والتفكك وغياب المجتمع المدني ، إلى فعل الثقافة المقاوم ، وها نحن اليوم نشاهد كيف يمارس فعل المقاومة كمبدأ يدعو إليه الإنسان في سبيل قيم هذه الثقافة ويموت من أجلها وبغض النظر عن دينه أو لونه أو عرقه ، وفي المقابل حرب حولت بعض الأنظمة إلى قوى تدميرية تعمل على التدمير الذاتي لنفسها ودولها ، إنه الإرهاب الذي يدمر الدولة وأبناء الجنس الواحد ، إنها مخرجات القمع الصارخ بالارتباط مع الاستعمار الغربي والصهيوني ، ومع ذلك نحن لا ننظر للجميع نظرة واحدة ، لأننا ندرك مسبقاً أنه لا خيار ممكن التنفيذ لمن يفتقد في الأصل جميع الخيارات ، إلى أن وصل البعض إلى درجة غدا فيها مجرد أداة لا أكثر ، تماماً كما حدث مع النظام التركي وبعض الأنظمة العربية للأسف الشديد ...!!

أنا لا أعرف أي دور فاعل للإرادة الوطنية العربية دون ثقافة المقاومة ؟وهل ينكر عاقل حقيقة أن العالم محكوم موضوعيا بالقوة الاقتصادية والمعرفية ؟! ولا مكان أبداً للضعفاء الذين سيعانون حتماً من الفقر والجهل والمرض، ولغايات التوضيح لا أكثر أقول لكم : هناك فرق كبير بين ثقافة مقاومة تعي الحاضر وتعمل من أجل المستقبل ، وبين ثقافة تنصرف إلى العيش في الماضي وتقتل وتشرد كل من يخالفها بتهمة التقدم أو العدالة ، وهنا لا يقتصر الأمر على التنظيمات الإرهابية التي تتستر بالإسلام ، وإنما يشمل كل من يحاول تشكيل المستقبل من خلال الماضي كيف ؟!! كيف يا سادة ؟! نكون بالماضي والحاضر في آن ؟ أي قتل للمستقبل ، وأي أوهام تلك التي ولدت مجموعة من الأفكار مؤداها أن بإمكانية كل طرف أن يكون بديلاً عن الآخر ، ولا بل وأكثر جدارة منه ، كيف ؟!! أي تخلف يدمر العالم أجمعه ، إنه التخلف الذي تجسده بعض الدول الداعمة للإرهاب والممولة له ..!!

في الحقيقة أن الدول التي لم تتفهم ثقافة المقاومة لا ولن تستطيع أن تحدد أهدافها، لأنها تعترف وبطريقة غير مباشرة أنها دول وظيفية تابعة تستخدم كأداة من ضمن الأدوات الإرهابية التكفيرية في المنطقة ، وستبقى تدور في حلقة مفرغة ، وتتراجع فترة بعد أخرى ، إلى درجة تغيب فيها كل الأسس والأولويات المبدئية لاستمرارية هذه الدولة أو تلك ، نعم ، إنهم يسيرون فوق حافة النهاية الحتمية وسيشعرون بالحزن مرتين : أولاً على نجاح فكر وثقافة المقاومة في استنهض العرب ، وثانياً لأنهم فقدوا وظائفهم لدى أمريكا وتكوموا على مزابل التاريخ ، كثيرة الضوضاء والروائح الكريهة ، وزهيدة الفعالية حتى بيد المشغلين ..!!

إن المأزق الذي وصلت إليه بعض الدول الداعمة للإرهاب لا يمكن أن تحرره مجموعة الصيغ المتخلفة في الطرح ، لأنها قاصرة بالكامل عن مجرد فهم اللحظة السياسية الراهنة ، فكيف بالمقبلة ؟!
وما أود التأكيد عليه أن قطع العلاقة بين أمريكا وهذه الدول لا يأتي من خلال الأخطاء والنواقص والثغرات في تنفيذ المشروع الصهيو ـ أمريكي في المنطقة فحسب ، وإنما يأتي من خلال عدم فهم قادة تلك الدول بجذور المشاكل في المنطقة والتي أبعد ما تكون عن الفئوية والطائفية التي استخدمت كزيت لعجلة الإرهاب الممنهج ، وإنما بوجود السرطان الصهيوني والأنظمة المتخلفة والعميلة في المنطقة التي تنشد التحرر الإنساني العالمي، إضافة إلى أميتهم في معرفة الوقائع والتاريخ ، وإلا كيف تكشفت كل المشاريع عالمياً وليس إقليمياً فحسب ، إلى درجة أصبح الأمريكان المصنعين والمشغلين لتلك الأدوات يعملون على تعرية أدواتهم ، إنها سعة صدر الأبطال المقاومين ، والمراجعة المتأنية والنزيهة والمستمرة في كل لحظة للبقاء في الفعل المقاوم ، وتشكيل ردود فعل طائشة ومتسرعة من قبل الخصم الغارق في بخيالات لا علاقة لها بالعالم الحاضر، لقد أدركت المقاومة أسباب عجزكم ، وفشلكم ، وأخطائكم القاتلة والموثقة على المستويين الإقليمي والعالمي ، وتستطيع أن تحارب قرن من الزمن القادم ، نعم ، هذا ما يقوله لسان حال المقاومة ، وبشجاعة وبدون غرور ، ويبقى في هذه الثقافة ما تعرفونه ، وما تهجسون به ، ذلك الذي لا يروق لكم ، حين تتراءى أماكم حقيقة فقدانكم للسلطة ، ومحاسبتكم محلياً في دولكم ، ومطاردكم إقليمياً ، وعالمياً ، بعد صدور مذكرات اعتقال قانونية دولية بحقكم ، عندها ستدركون أن ثقافة المقاومة لم تكون هامشاً أو استراحة مؤقتة ، لأنها ركن من أركان العالم القادم ، لا بل تكاد تكون محرك هذا العالم نحو التحرر من الظلم والعبودية للعباد ، لهذا كانت وما زالت وستبقى خيار لا رجعة فيه ، وكيف لا ؟!

وقد غدت الوطن الإنساني ، لكل أولئك المنفيين في أوطانهم ، والعشق الذي لا يوازيه عشق بعد الشعور بلذة الإعتاق من مشقة الاستعباد والذل والمهانة والحاجة والفقر والمرض ، وهنا نعود ونحذر وبشدة من مغبة الاستمرار في النهج الصهيو ـ تكفيري في المنطقة والعالم ، لأن أمريكا ستفاجئ وقبل غيرها بما لا تتوقعه ، وعليها أن تبذل أقصى جهد ليغدو وجهها أقل قسوة وقبحاً ، ويكفي المرشحين الأمريكان زعق لأن الصهيونية كحركة سقطت عالمياً ، ومن لديه غير هذا الرأي فلينظر فقط إلى المظاهرات اليهودية ضد الحركة الصهيونية وضد إسرائيل ، ومثل هذا الأمر يعني أن ثقافة المقاومة لم تعد إشكالية أساسية في الذهنية العربية ، ومهما حاول الغرب المتخلف لا ولن يعطي الإرهاب قواماً إنسانياً ، لأن فكر المقاومة وثقافتها هم التعبير الحقيقي عن تطلعات الشعوب العربية والإقليمية ، والتي لا ولن تنام بعد اليوم على القهر والذل والحرمان والظلم ...!!

خادم الإنسانية . مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات