هل تتمرد شخصيات الرواية على كاتبها


جراسا -

بقلم: نوال القصار

في قراءة حديثة لرواية الكاتب النرويجي "جوستين جاردر" والتي حملت عنوان "عالم صوفي" يٌفاجئ القارئ بأن الشخصية الرئيسية في شخصيات الرواية، هي شخصية يكتبها كاتب آخر من شخوص الرواية والتي تروي أحداث الرواية ذاتها، وتتداخل فيها القصة الأولى مع القصة الثانية التي يكتبها الكاتب.

وأمام هذه الجزئية التي قلما تجدها في المدونة الروائية العالمية عموما، طرحت على نفسي هذا السؤال: هل تتمرد شخصيات الرواية على كاتبها بعد أن تحاول الشخصية الأولى الهروب من المصير الذي حددته شخصية الكاتب في الرواية ؟

ومناسبة هذا الحديث دار نقاش بيني وبين صديقة أمريكية كانت في زيارة للأردن مؤخرا وهي مؤلفة لرواية باللغة الإنجليزية صدرت في الولايات المتحدة، حيث تمحور النقاش حول السؤال ذاته، وحول الإجابة على هذا السؤال تحديداً.

ربما لا يوافقني جميع الروائيين أو الكتّاب عموماً على أن كاتب الرواية في بعض الأحيان وهو يخط سطور روايته وفي ذهنه مسار محدد لمصير كل شخصية عاشها في روايته، أن مصير بعض الشخصيات يخرج عن الإطار العام الذي رسمه وبدأ بكتابته على الورق، وتتخذ لنفسها طريقاً آخر لم تكن فكرته قد تبلورت منذ البداية لعدة أسباب.

خلال تجربتين روائيتين لي شخصياً واجهت هذه الإشكالية رغماً عني. ورغم وضوح الفكرة في ذهني، والرسالة التي أود أن أوصلها إلى القارئ كنت أجد الشخصيات تخرج عن إطار السيطرة أحياناً وتأخذ لنفسها مساراً آخر فرضه تطور الأحداث والحبكة الأصلية التي كنت اخترت خطوطها العامة منذ أن رُسم الحرف الأول على الصفحة البيضاء (ولو أنها صفحات الكمبيوتر مجازاً إذ اختلفت تقنيات الكتابة مع تطور الكتابة الرقمية الحديثة ولجوء معظمنا إلى استخدام الحواسيب في الكتابة وليس الأوراق والقلم رغم بهائهما ورونق الكتابة باستخدامهما).

وعلى أية حال توافقني صديقتي الأمريكية على ذلك من تجربتها الخاصة حيث روت لي كيف أن والدها طلب منها قراءة مخطوطة الرواية قبل إرسالها للطباعة.

قالت لي إنها ترددت كثيراً بسبب بعض المفردات غير اللائقة التي تتضمنها الرواية وكان حدسها في محله حين قال لها والدها آنذاك بالحرف الواحد: "لم أكن أعرف أن طفلتي الصغيرة تعرف هذه الكلمات".

وكان ردها: "لست أنا... إنها بطلة الرواية هي التي تعرفها ولست أنا". وأضافت إنها أثناء الكتابة وحين تجلس بتركيز تام وتتدفق الأفكار لا يصبح لها سيطرة عليها على الإطلاق، وتأخذها تلك الأفكار والشخصيات واللغة والمفردات إلى عالم آخر ليست لها سيطرة عليه على الإطلاق.

حين نجلس لكتابة الرواية خصوصاً ذلك الصنف من الروايات الزاخرة بالشخصيات والأحداث، وتتقارب تلك الشخصيات وتبتعد عن بعضها البعض حسب حاجة الحبكة والرسالة أو الفكرة التي يود الكاتب إيصالها أو التعبير عنها (بصرف النظر عما إذا كان هو شخصياً يتبناها أو يعارضها) تبرز إلى الذهن أحداث جديدة يرى من خلالها الكاتب أن إضافتها ربما يغني الفكرة، أو يلغيها، أو يزيد الرواية تشويقاً، أو أن طبيعة الأحداث الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المحيطة ببيئته تفرض ذلك.

وكما أشرت سابقاً هو سؤال ربما يكون "جدلياً" وقد يتفق البعض معي على إجابته، وقد يرفض كثيرون ذلك خصوصاً أن تجربتي في كتابة الرواية حديثة للغاية رغم خبرتي الصحفية الطويلة، وأعمال الترجمة العديدة التي نفذتها وما زلت أنفذها إلى الآن.

نوال القصار، كاتبة وروائية من الأردن



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات