الإختلاف والتعددية"


لا شك أن الإختلاف الفكري والتعددية الثقافية هما مصدر قوة وتقدم، بعكس ما يظن البعض من أنهما مصدر فتنة وبلاء وتشرذم، وذلك إذا أحُسن استعمالهما والتعامل معهما في مناقشة القضايا المعروضة، وتقريب وجهات النظر على طريق محاكاة فكرية راقية، وهذا يقودنا الى تقريب الآراء وتسريع الوصول الى العمل المنتج الذي يخدم الآحاد والجماعات، مستندين في ذلك إلى الحكمة التي تقول" نعمل فيما اتفقنا عليه" ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا حوله".

أما إذا أُسيء التعامل مع التعددية الفكرية والثقافية، كأن يكون المتحاور قد نشأ على تربية تقليدية تلقينية، أو فكر مغلق، أو نظرة حزبية ضيقة، فإن ذلك يحول دون انخراطه في حوار علمي راق، وتواصل معرفي شفاف منشود، وهذا ما يحرم المجتمع من متعة التفاعل الإنساني، عند ذلك يصبح الإختلاف الفكري خلافاً تناحرياً يسعى فيه كل فريق إلى إلغاء الآخر، لأنه لا يشاركه العقيدة والفكر والتوجه والممارسة، وهذا ما نشاهده في الحراكات الشعبية والحزبية التي تطالب بالإصلاح والتغيير.

تجدر الإشارة إلى أن التفاعل الإنساني الموجه هو الذي يحول الصراع من أجل الغلبة والبقاء، إلى صراع فكري منتج يبعث على تجدد الحياة وخصبها، ويؤدي إلى حركة مستمرة وتقدم ملموس في كل مناحي الحياة، والإختلاف الفكري ليس حقاً مشروعاً وحسب، بل هو ضرورة وواقع، أساسه المعرفة واحترام الآخر، مع الإقرار له بحرية الرأي والإختلاف، وهو دليل على التعددية في وجهات النظر، والمصادر والعقول والتحليل والإستنتاج، ورحم الله الإمام الشافعي رضي الله عنه القائل" رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرنا خطأ يحتمل الصواب".

وحتى يثمر الإختلاف الفكري والتعددية الثقافية في مجتمعنا لابد أن نتجرد عن الأنا البغيضة، والإستعلاء في الطرح، وأن يكون التحاور بالحسنى، يقول تعالى : " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ "، فإذا كانت الدعوة إلى الله أن تكون بالحسنى، فكيف بالحوار مع الآخرين في أمور الدنيا ومشاكل الناس، والجدال بالحكمة الطيبة بعيداً عن التجريح والتخوين ورمى الناس بالعمالة والفساد بغير دليل، وعلى الإنسان العاقل أن يستعمل أحسن ما عنده من أسلوب وحجة وبرهان ساطع، ليحاور الآخرين، وأن يكون الحوار له قيمة ومضمون، حتى يوصل الأطراف جميعاً إلى إتفاق فكري وعملي، والى هدنة مرحلية يلتزم فيها الأطراف بالأدبيات والأخلاقيات الإسلامية، وأن يكون الخطاب في المستوى العلمي اللائق، وأن يرتكز على العقل والمنطق، ويبتعد عن العصبية المقيتة، والتمترس في خندق يخنق الرأي ويُلغي الآخر لمجرد أنه يخالفه في الفكر والتوجه.

ومن باب احترام الاختلاف والتعددية لابد من التأكيد على النقاط التي تم التوافق عليها وإبقاء " شعرة معاوية" كما لا يجوز اقفال الحوار الهادئ الهادف بطريقة عشوائية، حتى لا يشعر أحد الفريقين بهزيمة وحتى لا يفهم بعض الناس أن الاختلاف الفكري والتعددية الفكرية والثقافية مصدر إزعاج واتهام بل هما مصدر قوة، لأنهما ينميان الشعور بالمسؤولية والثقة بالنفس والعمل بروح الفريق، ويفتحان قنوات التواصل بين قادة الفكر والرأي ودعاة الإصلاح، ويمثلان اللبنة الأولى لعملية التنشئة السياسية التي تحدد التوجهات والآراء المستقبلية حيال المجتمع والوطن، كما أنهما يرسمان أطر التعاون والمشاركة والإنتماء الصادق للقيم النبيلة والموازين العادلة التي تجمع ولا تفرق.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات