السلسلة الثانية من رواية رغبة الإنتقام الجزء العاشر


كانت التيارات المائية بكامل عزمها في تلك الليلة فهديرها الجبار كان يملئ الأجواء تماما، أو ربما كان الهواء الدافئ النشيط فكانت تشتد شراسة الأمواج عندما كانت تشعر بسلطانه بالأجواء الصيفية الدافئة، لم يكن يعلم بالضبط فلم يكن النيل بصفاءه المعتاد في هذه الليلة، بل كان هائج الموج بعض الشيئ و تلاطمت أمواجه من حين لآخر على أطراف الضفة حيث كان يجلس في عزلة تامة، تباينت حالة النيل مع حركة المارة و السير الخجولة في الحي السكني خلفه، فكانت تعلو من حين لآخر هدير محركات السيارات في شارع رئيسي كان على مسافة ليست ببعيدة عنه، و اختفت تقريبا حركة المارة بغير عادتها على أرصفة الشوارع على مرمى عينيه، فكانت منطقة الزمالك في هذه الليلة شبه هادئة بسبب مباراة لكرة القدم كانت تجمع فريق مصر مع فريق نيجيريا في التصفيات النهائية لبطولة القارة الأفريقية، و الذي سيفوز بهذه المباراة سيتم تتويجه بطل لقارة افريقيا، نظر يوسف الى الساعة في يده فكانت تشير الى الثانية عشرة تماما، كانت المباراة ستنتهي بعد ربع ساعة و كانت النتيجة لغاية هذه اللحظة التعادل بهدف لكل فريق، و لكن إذا نجح الفريق المصري بإحراز هدف الفوز ستضج شوارع القاهرة جميعها بلا استثناء خلال دقائق معدودة بالمواطنين الفرحين فور إنتهاء المباراة و ستنطلق منها صيحات الغبطة و السرور و موسيقى الطبول و سيرقص الشباب فرحا و طربا بالنتيجة،

لم يأتي الى ضفاف النيل ليبتعد عن ضجة الشوارع بهدف الإنعزال عن المدينة، فلم يشعر يوسف ليوم واحد بأن حياة القاهرة المليئة بالبشر و عنفوان الحياة في شوارعها تضايقه على الإطلاق، بل كان السبب أكبر من ذلك بكثير فلطالما عاش بالقاهرة التي اشتهرت بالإكتظاظ السكاني طوال عهد عقودها العتيق بتاريخ حضارات البشر، كان يعلم بقرارة نفسه أن الأرق هو سيد الموقف في هذه اللحظات ، فَتَكَاثُرْ ضغوطات العمل عليه تسببت له بالتعب و الإرهاق مما دفعه للخروج في الحادية عشرة تماما للسير في الهواء الطلق، شعر بالإختناق من كثرة التفكير و شعر بصداع عنيف فكان في دوامة كبيرة من مشكلة ستهدد سلامه و استقراره الوظيفي عاجلا أم آجلا، فبالرغم من أن منصبه كمدير يُحَصِنَهُ من العديد من المشاكل في دائرة المخابرات المصرية و أرشيف انجازاته مليئ بالمكاسب الرائعة لبلده...إلا أن في منتصف هذا البياض الوظيفي الناصع هنالك نقطة سوداء ستكون السبب بتهلكته عما قريب، و هذه النقطة السوداء تعادل خمسة ملايين دولار أمريكي سعى سعيا دؤوبا لإخفائها عن أعين الناس و مراقبة دوائر الكسب غير المشروع في الدولة المصرية، فحتى لم تكن لديه الجرأة بسحب اية مبالغ من هذه الأرصدة الذي باتت شبه مجمدة في ثلاثة بنوك في ولاية نيويورك بسبب مركزه و مركز الجهة الحساس التي اعطته هذا المبلغ السخي من المال،

في الواحد من مايو من عام 2013 كانت القاهرة و ضواحيها في قمة فوضى سياسية تمثلت بصراع كبير بين حزب اخوان المسلمين الحاكم و بين أحزاب المعارضة السياسية التي كانت تقاوم الإخوان في مصر بشراسة كبيرة، و كان انعدام وجود الشرطة بالقاهرة يشكل عبئا كبيرا على قوى الجيش و المخابرات المصرية لضبط البلاد من الداخل و للسيطرة على حركة المسافرين في الموانئ الجوية و البرية و البحرية، فبالإضافة الى الجرائم الكثيرة التي كانت تُرْتَكَبْ من قِبَلْ البلطجية الذين هربوا من سجون البلاد بعد ثورة 25 من يناير كان ضبط حركة المسافرين من و الى القاهرة أمراً صعباً للغاية، فحدود مصر البرية الكبيرة جعلت هذا الأمر ربما التحدي الأكبر للجيش المصري بهذه الأوقات الحرجة التي كانت تمر بها البلاد،

في هذا التاريخ بالتحديد حدث أمر لم يكن بالحسبان إطلاقا، فاستلم على هاتفه المحمول مكالمة غيرت مجرى حياته بالكامل، في ليلة الواحد من مايو من عام 2013 و كان يصادف يوم اربعاء من ايام الأسبوع كان جالس في مكتبه يطالع بعض الأوراق المهمة التي استلمها من مدراءه منذ بضعة ايام، و كان يتابع من حين لآخر نشرات الأخبار المختلفة التي كانت تَبُثُ على الفضائيات المصرية آخر التطورات على الساحة السياسية المصرية، و كانت معظمها تناقش أخر المستجدات عن حركة تمرد التي ابتدأ الناس ينضمون اليها حينها بسرعة ملحوظة و كبيرة، و كانت الإعلامية المشهورة سعاد ابوالنيل في تلك الليلة تقوم بإجراء بعض المقابلات مع الناس الذين كانوا يملؤن الإستمارات المطلوبة للإنضمام الى تلك الحملة الكبيرة في مركز لهذه الحركة في منطقة المهندسين، فكانت الناس في هذه المقابلات تعبر عن غضبها من أداء الحزب الحاكم و عدم مقدرته على تصويب الأوضاع السياسية و الإقتصادية في مصر في هذه الأثناء، و فجأة تلقى مكالمة على هاتفه المحمول من رقم مجهول، نظر الى رقم المتصل فكان من جوال مصري و لكن لم يكن من الارقام المسجلة على قائمة الإسماء في هاتفه، إلتقط هاتفه و أجاب الإتصال، فبادرته إمرأة بالسلام باللغة العبرية،
قال لها حينها "أنا لا أتكلم العبرية، هل تكلميني بالعربية؟"
الإمرأة "أنا عندي حل لكل مشاكلك المادية،"
أجابها بإستهزاء "ليس عندي مشاكل مادية، و إذا كانت هذه طريقتك للًهو فليس عندي وقت لأمضيه معكِ،"
أنهى المكالمة بسرعة و الإبتسامة مرسومة على شفتيه فظن أنها بائعة هوى و ربما تبحث عن رفيق لتمضي معه بعض الوقت، عاد لمتابعة البرنامج الإخباري على التلفاز بإهتمام بالغ فكان البرنامج حينها يجري مع سياسي معروف مقابلة خاصة عن أسباب إنضمامه لحركة تمرد، و لكن سرعان ما وصلت الى هاتفه الخلوي رسالة نصية، فالمتصلة ارسلت له رسالة تقول بها "انت تكذب يا يوسف، ذهبت في هذا الصباح لزيارة بنك مصر للتنمية و الإستثمار و تكلمت مع السيد زكي شلبي مدير فرع نادي اليخوت الوطني في الزمالك لكي يعيد جدولة الدفعات الشهرية لقرضك الذي يبلغ قيمته نصف مليون جنيه، لا تعاند فأنت بأمس الحاجة الينا،"

شعر يوسف و كأن أحدهم قام برشقه بكوب من الماء البارد، فتجمدت الدماء بعرقه من الصدمة لبرهة من الزمن و اثارت هذه الرسالة حفيظته لدرجة كبيرة، أرسل للمرسل رسالة يسأله فيها عن هويته و عن اسبابه بالبحث باموره الخاصة، فأتاه أتصال من نفس المرأة التي اتصلت به و ارسلت له الرسالة، فأجاب مباشرة ،
"من دون سلامات و لا مقدمات، ماذا تريدون مني؟"
الإمرأة بنبرة صوت مُرَحِبَة "لنا اهتماماتنا في بلادكم و نريد منكم بعض التسهيلات لعملاء لنا، فهل انت على استعداد لمساعدتنا؟ ستكتشف أننا نتعامل بسخاء كبير مع من يدعمنا،"
اجابها يوسف بنبرة متوترة "ألا يحق لي أن أعرف هوية من يكلمني؟ و من اين اتيتم برقم هاتفي؟"
المرأة "ليس من المسموح أن تسال كثيرا بهذه اللحظات، المهم أن المبلغ أصبح بحساب لك بنيويورك، و هذا الحساب يحمل اسمك الرباعي بحسب جواز سفرك الذي عليه ختم و دخول ولاية نيويوك من الزيارة التي قمت بها منذ شهرين..."
صرخ يوسف في وجهها "يا عاهرة! بأي حق تتطفلون على حياتي بهذا الشكل!"
المرأة بنبرة صوت المنتصر "نحن لا نلهو معك، فإذا رفضت مساعدتنا سنجري مكالمة هاتفية صغيرة لدوائر الكسب غير المشروع و ستنتهي حياتك المهنية بالسجن،"
صرخ يوسف "و ما هي الإثباتات أن المبلغ بحسابي!"
أجابت المرأة "اتصل بالبنك بنفسك و اطلب منهم كشوفات الحساب الضرورية،"
أنهار يوسف كليا و هو يسمع هذه الكلمات، فمن الواضح بأن الجهة المتصلة لا تعبث معه إطلاقا، و إلًا كيف علموا بأمر سفره و بأمر القرض الشخصي الذي أخذه من البنك منذ بضعة شهور، شعر بدوار شديد في رأسه من الصدمة و أجاب الإمرأة "أُقَبِلْ قدميك أن لا تتصرفي معي بِتَهَوُرْ، ساقابلكم حيث تريدون و سأنفذ لكم ما تريدون..."
أجابت المرأة "هنالك أمر نحتاج له بالوقت الحالي، ستلاقيك إمرأة من طرفنا بمقهى فندق شيراتون القاهرة في ميدان الجلاء حي الدقي في تمام الثانية عشرة ظهرا في الغد، هي ستتعرف عليك، حذاري أن تتصرف اي تصرف أحمق أو أن تذهب للمقابلة مع طرف آخر فأنت مراقب على مدار الساعة..."
استيقظ يوسف من بحر الذكريات العميقة الذي أسره لبعض الوقت على صوت طبول مدوية كانت تعزف ايقاعات حماسية في المدى البعيد، فَعَلِمَ أن مصر هي التي فازت بالمباراة، ابتسم لصوتها و ارتفعت بالشارع خلفه رويدا رويدا أصوات ابواق السيارات و ضج الشارع باصوات الهتافات من بعض المَارًة المسرورين من النتيجة المُشَرِفَة التي حققتها مصر، نهض من مكانه و نظر الى الشارع خلفه الذي اضأته فجأة بهجة جماهيرية عارمة بعد أن كان ساكن من دون روح لفترة طويلة من الوقت، فابتدأت الجموع الغفيرة بالقدوم الى الشارع و اكتظت الارصفة بالشباب و الفتيات المسرورين لهذا الفوز الكبير، ازدادت حركة السيارات في الشارع بصورة كبيرة و اصبح السير بطيئاً من شدة ازدحام المركبات عليه، انطلقت من السيارات هتافات تحيي مصر و مدرب الفريق الوطني الذي بَيًضَ وجه بلاده بهذا الإنتصار الرياضي الكبير، ارتفعت من نوافذ السيارات أعلام مصر عالياً و انطلقت من بعضها اصوات طبول و هتافات تحيي الفريق على فوزه الساحق على نيجيريا، فانتهت المباراة بفوز مصر ثلاثة أهداف مقابل هدف واحد على فريق الخصم، و فجأة سمع اصوات هتافات و موسيقى و تصفيق حار من مكان قريب بالشارع، فسار نحو الرصيف ليرى ماذا كان يجري، ابتسم حينما رأي بعض السيارات مصطفة على رصيف الشارع، و كان هنالك مجموعة كبيرة من الشباب تقف بدائرة حول بعض الفتيات و هن يرقصن من شدة الفرحة على أنغام طبال و عازف قربة و عازف مزمار، وكانت هذه الفرقة الصغيرة تعزف على مقربة منهم، توقف السير بعد برهة من الزمان تماما في الشارع أمامه، فترجلت مجموعات متفرقة من السيارات بصورة عشوائية في الشارع و ابتدأت تطلق هتافات تحيي مصر على الفوز بالمبارة، و ابتدأ بعض الشباب يرقص بالشارع من الغبطة و السرور ليتحول الشارع الرئيسي الى مهرجان فرح كبير بتتويج فريق أم الدنيا بطل للقارة الافريقية للعبة كرة القدم للمرة الرابعة ليصبح أكثر فريق افرقيقي يستلم هذا الكاس بتاريخ البطولة...

كان مدرب الفريق المصري صاحب خبرة مخضرمة بعمله و كان مشهورا بقدرته على مواجهة خصمه دائما بصورة ناجحة، فاستطاع بهذه البطولة قيادة مصر الى النجاح بسبب قدرته على فهم نقاط الضعف و نقاط القوة لكل لاعبيه و توزيعهم بالصورة المثالية على ارض المباراة ليفرض قواعد اللعبة التي يريدها على فرق الخصم...و هذا ما استطاع فعله يوسف لغاية هذه اللحظة، فحينما قابل مندوبة السهم الذهبي في الشيراتون في ذلك النهار الملعون طلبت منه عدة مطالب حساسة ابسطها كانت تسهيل دخول و خروج جواسيس الموساد التي جندتهم الشركة من القاهرة الى تبل ابيب و نيويورك و بالعكس لتكون كافة تحركاتهم تحت مظلت المخابرات المصرية...و يا لسخرية الأقدار، فكان يعطي اوامره كمدير في منصب رفيع لزملائه في جمارك و أمن المطار بعدم تفتيش كارمن و سارة كوهين و مرافقيهم في كل سفراتهم بلا استثناء...فقاموا بتهريب اثار ثمينة بمليارات الجنيهات من مصر الى تل أبيب و نيويورك لكي تباع لتُجَار الأسواق السوداء الذين كانت غالبيتهم من اليهود و رواد شبكات عالمية في عالم الإجرام، كما طلبوا من يوسف تسهيل دخول خبراء مفرقعات الى القاهرة ليقوموا بتدريب بعض عناصر الإخوان على فن تصميم القنابل بشتى أنواعها لأهداف ارهابية داخل مصر...فكان منسق لشبكة فساد هدفها تسميم العلاقات بين اسرائيل و مصر لتقوم حرب كبيرة كي تبيع شركة السهم الذهبي و المجموعة التي تنتمي اليها اسلحتهم بالاسواق الدولية و العربية...فإنها فن صناعة الحروب و الويلات لتكبر عروش أصحاب هذه الشركة اليهودية و غيرها من حلفائها و لتبقى الدول العربية من الدول المُسْتَهْلِكَة و المقهورة و المُسْتَعْبَدَة من قبل اباطرة الإستثمار في زمن قرن الواحد و العشرين...فكان المطلوب منه أن يمد يد العون لسارة و أعوانها لكي تبقى هذه الأرصدة بحسابه كَنِعْمَة طوال تعامله مع شركة السهم الذهبي...أو كرباج تستعمله سارة كوهين عليه لِتُرَوِضَهُ بها و تُذَكِرَهُ بأن رقبته بين أيديهم كلما هدد بالإنسحاب من هذه اللعبة الملعونة...

أعداد كبيرة من المواطنين ماتوا بهذه الإنفجرات و السبب طمعه الذي حثه على الذهاب لمقابلة مندوبة الشيطان في القاهرة، فحينما سمع بهذا المبلغ في أول مكالمة بَرَقَةْ أمام عينيه الأصفار الستة على يمين الخمسة، فلم يُنْكِرْ يوسف يوماً أن هذه المبالغ المقسمة لصالحه في ارقى بنوك نيويورك لم تغريه بالتفكير بأن يكون عنصر فعال بهذه المؤامرة، فبعد هذه السنين الطويلة في خدمة الأمن المصري لن يكون في رصيده سوى راتب تقاعدي لن يغطي كامل مستلزماته و احتياجاته، فإن كان كافياً لشراء الأطعمة و المواد التموينية له و لأسرته لن يكون كافياً لاية مصاريف طبية في مكبره، ففكر مليا بعرض الشركة ليراه بأنه مغري للغاية، فخمسة ملايين دولار كانت ستجعله من الاثرياء خصوصا و أنً سنين خدمته بالأمن شارفت على الإنتهاء، البلاد في فوضى كبيرة و دوائر الكسب غير المشروع كانت منهمكة بقضايا فساد كثيرة فسيكون بالنسبة اليها نقطة في بحر كبير و لن تشعر به و بالمبالغ في نيويورك إطلاقا...إلا إذا قام أحدهم بتقديم بلاغ ضده لهذه الدوائر،

اشتد الضجيج في الشارع و ازدادت الحركة عليه لتصبح القيادة به أمراً مستحيلاً، كانت الصيحات و الهتافات تنطلق من كل مكان و كانت الدبكات و حلقات الرقص تنتشر في نواحي مختلفة من الأرصفة على مرمى عينيه...ففكر في ذاته و قال "عَمَار يا مصر...عَمَار يا أم الدنيا...فأنتِ كَسِبْتِ الرهان و لطالما كان الأمر معكِ هكذا، فها ممدٍوح أشرس رجال مخابراتنا على وشك إلقاء القبض على عصابة كارمن و اعوانها و ها مخطط افتعال الحرب مع اسرائيل قد توقف في آخر لحظاته...فها ارجلي في الفلقة مع ارجل سارة كوهين و كارمن و باقي رجال المافية الجاسوسية في القاهرة، و قد نُسْجَنْ فقط عمًا قريب إذا كنا من المحظوظين...هذا إذا لم يقتلنا ممدوح على ما فعلنا به و بأسرته و بمصر..."

أغمض عينيه وسط دقات الطبول و الهاتفات التي زلزلت سماء و شارع الحي الذي كان به، شعر بالغضب يغلي بعروقه ففكرة أن يتم اعتقاله من قِبَلْ الأمن بالقاهرة كانت ترعبه، فسيترتب على هذا الأمر خسارة كبيرة له و خراب بيته، فَكًرَ في ذاته و قال "ممدوح...يجب أن تموت...فإذا بقيت على قيد الحياة ستنتقم مني و ستدمر بيتي...فحينما ستقبض على كارمن ستسلخ جلدي سارة كوهين و مجلس ادراة شركة السهم الذهبي، سأتغذي بك قبل أن تتعشى بي...سَهًلْتُ جزءا كبيرا من مخططات التفجيرات للإخوان في مصر فهل سأدعك تخرب بيتي؟ عاد الى ضفة النهر تاركاً وراءهُ الجماهير الغفيرة في الشارع، أخرج من جيبه هاتفه الخلوي و طلب معاونه بلال ياسين، فأجابه "أوامرك سيد يوسف..."

قال يوسف أمراً "بلال فَجِرْ شقة ممدوح سالم الذي يسكن بها حاليا،"
أجاب بلال "كنا يجب أن نفعل هذا منذ البداية سيد يوسف، فلطالما كان خطر علينا،"
أجابه بسرور "لم يكن باليد حيلة، و لكن بعد أن أُعْلِنَ وفاته مقتله أصبح بالإمكان، فسنقتل رجل متوفي اساسا،"
"ساضمن لك وفاته، لا تقلق بهذا الشأن، و ستتدمر معه الشقة و ستذهب معها الأجهزة التي يسجل عليها حديث كارمن في شقتها، "
أغلق الخط مع بلال و ابتسم لهذا الأمر، و قال في ذاته "اثنين واحد في مباراتنا يا ممدوح، لن تستطيع النفاذ من هذا الهجوم المُحْكَمْ، فأنت كالفأر في المصيدة الآن، ستنتهي هذه المباراة لصالحي و النتيجة ستكون اثنين واحد، عمار يا مصر...قد تكسبي هذا الرهان كالعادة و لكن سأحاول أن أخرج قدماي من الفلقة قبل أن تكسبيه،"
***********************
نظرت حياة بألم شديد الى ألبوم الصور الكبير في مكتبة الصالة في منزلها، كان على رف من ارفف المكتبة بين اربعة ألبومات صغيرة تحتوي على صور عديدة لها و لأسرتها و من جملتها صور لزفافها على ممدوح ، دمعت عينيها و هي تنظر اليه فكان يحتوي هذا الألبوم الكبير بالذات على صورها و هي في شهر العسل في الإسكندرية، كانت تذكر جيدا الشاليه الفاخر الذي أَجًرَهُ ممدوح خصيصاً لهذه المناسبة المميزة فقد أمضت برفقته ايام سعيدة جدا استمر رونقها الجميل في حياتهم خلال السنين الماضية و الى ايامهم الحالية، بل قد استمرت الى اليوم الذي تركها به في الفندق و توجه ليلبي نداء العمل بعد مكالمته مع يوسف،

تشجعت أخيرا و التقطته من على الرف، فكانت هنالك رغبة طاغية في داخلها لمشاهدت ما يحتويه من ذكريات بهيجة و لكن ليس كما كان الأمر في السالف حينما كانت السعادة تزين ايامها معه و تسكن في قلبها و قلب أولادها، كانت تعلم بقرارة نفسها أنها تريد مشاهدة هذه الصور لتثور في داخلها غَصًاتْ الشجون و الحزن و القهر من جديد فقد كتمتهم في داخلها كي لا تبدو ضعيفة أمام أولادها...فإذا ثار قلبها بالحزن ستبكي و ستذرف الدمع الذي سيجعلها تُفَرِغْ كميات الألم الكبيرة التي سكنت في داخالها منذ دخولها الى المستشفى بعد عملية الإعتداء عليها، كانت بحاجة لهذه الدموع النفيسة التي ستريحها من القهر على ما اصاب عائلتها، كانت بحاجة لهذه الثورة لتبكي فقد خنقتها الأحزان منذ عشرة ايام لتغدو هذه الايام في حياتها حتى كسنين طويلة شعرت فيها بالخوف و التوتر و الألم و الإنهيار الكلي...

جلست على كنب الصالة و فتحت صفحة من صفحاته، فاستقبلها سيل من الصور الموزعة بترتيب بين صفحاته إلتقطتها لهم حماتها جينها و هما في ثياب الزفاف البيضاء الجميلة أمام سيارة ممدوح قبل سفرهم الى الإسكندرية مباشرة، شعرت بالدمع ينهمر من عينيها و تنهدت بصوت عالي ثم قالت "يا حبيبي...كم اشتقت اليك و لحضنك الدافئ..." تابعت قَلْب صفحات الصور الى أن استوقفتها صورة آخرى لهما و هما على شاطئ الإسكندرية أمام الشاليه الذي شهد على لحظات حبهما في هذا الشهر الذي كان مفعم بالمشاعر الرقيقة و لحظات الحب و نشوات الرغبة الرومنسية التي كانت تتملكهما بلا رحمة و هما في أحضان بعض في تلك الايام، سال الدمع بغزارة كبيرة من عينيها و تحول تنهدها الى بكاء ارتجف جسدها المُرْهَقْ من شدته، التقطت محرمة من على الطاولة أمامها و مسحت دموع الحزن و لكن لتستبدلها عينيها الحزينة بنهر تدفق بلا رحمة و سال من على وجنتيها...

صرخت أخيرا صرخة انطلقت من أعماق قلبها المُكَبًلْ بسلاسل الحزن و النوح الخانقة "يا حبيبي...أين ذَهَبْتَ و تركتني أنا و اولادك!!!"
سقط ألبوم الصور من على حضنها و أمسكت وسادة كنب الصالة و ضربتها بقبضة يدها و هي تبكي بمرارة استفزت من صدقها ممدوح ليقترب أكثر من باب الشقة، فقد كان واقف عند الباب في حيرة كبيرة من أمره، فأشتياقه لحياة أختبر صبره بصورة كبيرة الى أن دفعه للقدوم الى منزله، كان الطابق في ظلام تام بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن الحي فلذلك كان يمسك بهاتفه الخلوي مستعيناً بالمصباح المتوفر في الهانف، ارتفع بكاء حياة في طابق الشقة فارتبك و سقط الهاتف من يده على الأرض،

نهضت حياة من على كنب الصالة حينما سمعت الضجة خلف الباب، و نظرت نحو باب الشقة بخوف،



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات