الا أنتِ


وضعته في حضنها وضمته الى صدرها.
لم يبق لي إلا أنت .. أنت كل ما لي بعد ابيك .. سأعيش لأجلك .. وأموت من أجلك .. كل ما املكه لك .. لك وحدك ... لا أريد من الدنيا إلا أنت.

مرت الأيام .. كبر الصغير.. وتعلقت به أكثر .. لا ترى إلا من خلال عينيه، ولا تسمع إلا بأذنيه .. سخرت كل خبراتها التعليمية له وحده .. أرسلته الى مصر لكي يدرس الطب .. تريده ان يعود طبيبا .. تريد ان تفتح له عيادة في أرقى الأحياء .. وانتظرت تلك اللحظة بفارغ الصبر.

وأخيراً .. جاءت تلك اللحظة .. عاد اليها، فعادت الروح لها .. زغردت .. رقصت .. طارت فرحاً.

- ستكون عيادتك هناك .. لن ننتظر .. ستكون هناك .. سأكون سكرتيرة لك.
- لا حاجة بكِ الى ذلك يا أمي .. لست طبيبا .. لم يحالفني الحظ .. لكنني عدت اليك بشهادة في الكيماء.

صُعقت .. كادت تسقط أرضاً، لكنها تمالكت نفسها فجلست، ووضعت رأسها بين كفيها برهة من الزمن ..ثم رفعت رأسها .. نظرت اليه بعينين ملؤهما الحب والحنان والشفقة وقالت:
- لا بأس يا بني .. لا بأس .. سأبحث لك عن عروس .. سأزوجك فتاة جميلة.
- لا حاجة بك لذلك يا أمي .. ستأتي في نهاية الأسبوع .. تزوجتها قبل عام من الآن.
- ماذا؟ لا بأس يا بني .. كيف هي؟ جميلة؟
- نعم يا أمي .. رائعة.
وصلت الزوجة .. زغردت الأم لدى رؤيتها ..
- أحسنت الاختيار يا بني .. رائعة كما وصفتها.

ومرت الأيام .. منحتهم كل ما تملك .. تنازلت لهما عن المنزل .. منحتهما كل مدخراتها .. هي لا تريد شيئا .. لا تبخل عليهما بشيء .. لا تتوقف عن العطاء .. لكن شيئا بداخلها يقول كفى .. كفى .. ومع ذلك لا تقوى أن تقولها .. تصمت وتعطي.

****

- أمك تريد من يخدمها .. لا قدرة لي على ذلك .. صحتها تتراجع يوما بعد يوم .. أرسلها إلى دار المسنين .. هنالك من يقوم برعايتها .. تخلص منها .. الحياة معها لا تطاق .. إما أنا أو هي.
- بل أنت .. أنت فقط
إذا .. هيا .. لا تتردد

**********

جاءت سيارة نقل النفايات ..
توقف .. توقف .. ثمة صوت في الحاوية .. يا الهي .. رحماك ربي .. إنها امرأة .. امرأة عجوز .. ما زالت على قيد الحياة.
من أنت؟ .. لا جواب
من فعل بك هكذا؟
لا جواب.
عينان حزينتان تتحركان يمنة ويسرة ببطئ شديد .. ولا جواب.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات