انسداد الطريق نحو المستقبل


يعيش المواطن العربي في متاهة من المفاهيم و السلوك التي لا يمكن أن تساعده على أي نوع معقول من الدمقراطية . ومن هذه المفاهيم : القوة تصنع الشرعية و طاعة ولي الأمر خشية الفتنة . و رئاسة الدولة حتى الموت ، و الزعيم الملهم . و توريث الحكم ، ورفض الرأي الآخر ، و الرضوخ للواقع كقدر ، و الاتكال على الله لحل المشاكل .

و يعيش المواطن تحت أنظمة حكم قائمة على كثير من الديكتاتوريات السياسية أو الدينية ، فلا يعرف كيف الخروج من هذا العالم المليئ بالظلمات إلى عالم الحريات ، و على أي أساس يجب بناء الدولة الحديثة و المجتمع العادل و احترام حقوق المواطنيين . فالوضع السياسي و الاجتماعي على مفرق الطريق بين الاتجاه الديني السياسي و الأفكار الأصولية الدينية التي ليس لديها برنامج سياسي مقبول يمكن أن يساهم في بناء الدولة الحديثة ، و يوسع هامش حريات المواطنيين ، و يتعامل بشكل إيجابي مع العالم . و آخر هذا النموذج الديني الجديد هو ما يطلق عليه " الدولة الاسلامية داعش " و جبهة النصرة و غيرهما من المنظمات الاسلامية الأصولية التي ترتكب أبشع الجرائم في سوريا و العراق و دول الإقليم بحق الناس الأبرياء و الأقليات من الديانات الآخرى في المناطق التي تسيطر عليها ، التي حرَّفت جذرياً تعاليم الاسلام المعتدل . و تحاول أن تأخذ الأمة إلى متاهة التاريخ ، و تقفل العقول لكي لا تفكر و تجتهد لأن عصر الاجتهاد لا حاجة له إضافة إن لجوء هذه التنظيمات إلى الارهاب و قتل الناس يدل بوضوح على يأسها و ضعفها المتزايد ، و على زوالها المحتم . و بالمقابل تتدخل الأنظمة العربية غير الديمقراطية في كل مستويات حياة شعوبها . فحجَّمت إرادة الجماهير ، و جعلت منهم قطعاناً يمكن تحريكها بسهولة ، و أبعدت الشعوب عن المساهمة الفعالة في السياسة ، و صنعت أجيالاً من المطيعين لتقديس حكامها و الرضوخ لهم دون أي مساءَلة .

و كان من عدم ممارسة الديمقراطية لدى الأنظمة العربية ، قد أوجد فراغاً هائلاً في ثقافة المواطن العربي يتمثل في سيطرة الأُميَّة السياسية على الأغلبية . كما إن تداول السلطة و تشكيل الأحزاب السياسية المدنية يعتبر خروجاً عن إدارة الحاكم .

لقد أدى عدم المشاركة الشعبية مع الحاكم في صنع القرارات ، إلى استبعاد النهج الديمقراطي في الدولة ، و إلى استبعاد مبدأ التعددية بصفة عامة من الممارسات السياسية ، تحت ذريعة الوحدة الوطنية ، كما إن غياب دولة المواطنة البديل الوحيد عن الخصوصيات ، تم إبعاده عن الواقع السياسي العربي . و حلَّ محله المواطنة القبلية التي تعبر عن تقاطع طائفة أو عشيرة مع الطبقة المتنفذة في الحكم . و قد ساهم هذا الوضع إلى فشل الأنظمة و زعاماتها في تحقيق الأهداف التي وعدت بها شعوبها ، و تحقيق الآمال التي علّقت عليها ، كما إن انتشار الفساد أدخل شرعية الأنظمة في عملية التآكل ، و حكمها في المزيد من التسلط .

إن المطلوب للخروج من هذا الواقع المظلم من شعوب المنطقة الحاضرة و المستقبلية ، و من الأنظمة الحاكمة ، تعلم الديمقراطية " فالغاية العليا للدولة هي الحرية و ليست السيطرة " . فالطريق طويل و لكنه يستحق المغامرة لتخطي ثقافة الخوف و الرضوخ الأعمى للحاكم ، للدخول في عالم الحرية ، و عالم حقوق المواطن لجعل الشعب مصدر السلطة . ستكون المسيرة طويلة و شاقة في درب المستقبل و الديمقراطية و سوف تحمل غالباً الكثير من النكسات بسبب المقاومة الشرسة التي ستأتيها من أصحاب المصالح المستفيدين من هذا الأوضاع .

إن تحول المجتمعات العربية إلى الديمقراطية في ظل الأنظمة القائمة ، تكمن أساساً في إرادة المواطنيين و شجاعتهم ، و كل تحول يتطلب تضحيات كبيرة . لأن تبديل أو تطوير الفكر و السلوك عملية شاقة و طويلة تحتاج إلى وعي كبير . و إن العيش في نظام ديمقراطي حديث لا يعني أن مشاكل البلد سوف تُحل تلقائياً ، بل قد تتحول الأمور في بداياتها ، إلى صراعات مجتمعية . التحول الديمقراطي هو المعوّل عليه لفتح طريق المستقبل ، و لكنه يحتاج إلى عمل متواصل و إلى وقت طويل و صبر أطول . فإذا كان من الصعب إيجاد حلول شاملة و سريعة في النظام الديمقراطي ، فإنه من الصعب جداً ، إيجاد حلول سليمة و دائمة في أنظمة سياسية ديكتاتورية و عسكرية و عائلية دينية تفرض حكم الأقلية عن طريق الأقلية و لصالح هذه الأقلية .




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات