في مفهوم «قادة الرأي»


   هل يقاد "الرأي" أياً كان هذا الرأي ومهما بلغ من قوة أو من ضعف، وعلى أي وجوه التهافت أو الرجحان كان؟

هل يملك أحد من ذوي الألباب أن يقول إنه "قائد رأي" يستطيع أن "يسوق" الناس إلى أهداف يتنورها دون غيره، أو أن يضع لهم الصُوى والعلامات التي بها يهتدون؟

إن منطق الحق لا يقبل مفهوم القيادة في الرأي هذا، ويرفض أن يكون لشخص ما (أو لهيئة اعتبارية، أو لمؤسسة شعبية أو حكومية) حق أن "يقود" غيره إلى ما يراه، إذ قصارى ما يقبله هذا المنطق أن يكون المرء "صاحب رأي" يعرض رأيه للناس، ويحاورهم فيه.

والناس، في كل حال، ليسوا سواماً يقادون، ولكنهم عقول وأنفس وإرادات، وهذه كلها تخاطب وتحاور ويطلب -بالحجة والقدوة- اقتناعها ورضاها، وما ثمة في ذلك قائد ومقود..

ثم إن الأمم حين يكون لها "إمام ورحمة" وكتاب فرقان، وهدى وبيان، فإن لها من ذلك كله ميزان غير ذي تخسير، تقيس به الآراء والمقالات والخطابات، وتحدد في ضوء معاييره، المصلح من المفسد من أصحابها.

والأمم التي على هذه الشاكلة لا تقاد آراؤها ولا توزع عقولها، وكل من يعتلي منبراً فيها فهو الذي يخضع للتقييم والتقويم. وما وراء ذلك إلا بهارج اللغو وفضول الكلام، وما وراءه إلا الدعاوى العريضة التي لا تصمد للتحقيق، ويظهر فهاهتها التفتيش والتدقيق..

وإذ نتجاوز هذا، بعد استيقانه، إلى حقيقة أن مفهوم "قادة الرأي" منقول من بيئة مختلفة، وموظف في سياقات مغايرة، وفي بنية اجتماعية قد تقبله –لأسباب- وقد تسيغه، وأن ترجمته إلى واقعنا على سبيل المضاهأة العمياء لون من تزوير الوعي أو حرفه، وأن محصلة ذلك لا تعدو المزيد من التعمية والتلبيس -وكم برمت أمتنا بالتعمية والتلبيس- فإن بنا أن نقول: إن فكرة "قادة الرأي" التي نرى تمثلاتها وتوظيفاتها، ونتبين غاياتها، فكرةٌ متهافتةٌ، منطقاً وواقعاً، وأنها لا تصلح لنا ولا نصلح لها، فضلاً عن أن كثيراً ممن يزكون "قادة الرأي" لا خلاق لهم من رأي صائب، أو فكر مستنير، أو لهجة صادقة، فأين تذهبون؟؟

ولقد يقول قائل إنك لن تعدم العلماء و"أهل الذكر" ولا الأئمة الهداة، ولن تعدم المجتهدين ولا المصلحين المخلصين الذين يأخذون بحجزات الناس عن المهالك، فأقول إننا ههنا في سياق مختلف، وأمام مناخ ثقافي واجتماعي نحاوله ويحال بيننا وبينه في آن.

وشتان بين ما نتحدث فيه من لعبة قيادة الرأي التي نرى، وبين ذلك السمت العلي والمناخ النقي.. شتان..
 
السبيل



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات