تحليل ميكانيكي


بهدوء بدأ الميكانيكي يستفسر مني عن الخلل الذي أصاب سيّارتي التي توقّفت عن العمل فجأة , وبدون سابق انذار , ثمّ بحركة تشبه حركة البندول , لوّح بمفتاح شق عشرة كان بيده , وطلب فتح غطاء المحرّك وتجربة تشغيله , فلم يستجب المحرّك لمحاولتي , وبعين الخبير أخذ يتفحّص الاسلاك الموصلة الى البطارية ثم بدا بفك البراغي التي تعلو غطاء رأس المحرّك , توّقف , ورشف من كأس الشاي قليلا , ثمّ نظر اليّ وكأنّه يريد أن يبدأ حديثا وقال , أن حال الفنيين أمثاله في هذا البلد سيّء ولم يعد يسر احد , كثير من الذين وفدوا الينا نتيجة للظروف في بلدانهم فنيين ماهرين , وقد اخذوا ينافسون أهل البلد ويأخذون منهم نصيبهم من العمل في السوق , نحن نرحب بالجميع ولكن لنا الحق في العيش الكريم أيضا ,. الآن إذا أردت إن تصلح سيارة فيها عطل , تجد كثير من المشاغل التي تقبل اصلاحها بأجر زهيد , وهم يفعلون ذلك لكسب السوق , ثم يرفعون الأسعار بالقدر الذي يريدون , وبعد أن يفقد أهل البلد القدرة على المقاومة , يصبح السوق ملكا لهم .

تدّخلت وأنا أرجو الله أن لا يطغى الحديث على العمل , وقلت له إنّ الرزق على الله وهم أيضا يعانون , ولولا الأوضاع السيئة في بلدهم ما هاجروا منها , أعانهم الله على مصائبهم . رد علي وقال وهل تعتقد يا أستاذ أن الحرب هناك لن تطول , إنها ستستمر سنين طوال , حتى لو تدخلت كل الدول لوقفها , أو فرض هدنة بين القوى المتقاتلة فيها , لأنّ من مصلحة بعضها أن تطول , مثل مصلحة صاحب محطّة البنزين التي تبيع الوقود للسيّارات , وبدون الوقود لن يدور المحرك , ولن يحدث الاحتراق ولا أن تتحرك الاسطوانات للأعلى والأسفل , أتدري , ان تناحرت الاسطوانات فيما بينها على من التي سترتفع اولا , فسيتوقف عمل المحرك , لأنها تتحرك بالترتيب الذي وضعه الصانع لها , ولا يمكن لها ان تخالفه , وكيف لها أن تدفع الاذرع التي تربطها بعمود المرفق ان اختلّ عملها , وأخذت كلّ واحدة من الاسطوانات ترتفع على هواها , كذلك هي الفرق الكثيرة في سوريا , تتناحر فيما بينها على من ستكون له قيادة شعب لا يريد أن تكون قائدة له , لأنّ الشعب يعرف أنّها لن تقوده الاّ الى الهلاك .

اخذ يتفّحص شعلات الاحتراق واحدة بعد الأخرى , وتأكّد من أن الوقود لا يصل الى غرفة الاحتراق , التي شبهها بالمكان الذّي يصل اليه المقاتلين في الفصائل المسلّحة ليموتوا , لأنّ من يدفعهم الى الاقتتال فيما بينهم , قوى كبيرة وأقوى من قياداتهم , وكأنّها المضخّة التي تضخّ الوقود الى الأسطوانة لتحترق . وبعد أن أكتشف ان الخلل في مضخة الوقود , تبسّم وقال ليت من يدفع الناس للموت في العالم , أن يأخذ استراحة ويتوّقف عن العمل , كي يستريح الناس من أصوات المدافع والقنابل , مثلما يستريح المسافر من صوت محرّك الحافلة ان توّقفت عن العمل بعد سفر طويل .

كان الميكانيكي يحلّل كما يشاء بالأوضاع في الدول المحيطة والبعيدة عنّا وكنت أنا أرجوه أن يكمل اصلاح العطل الذي منعني من اكمال سفري , لكنّه بدأ يعدّد لي ما تحتاجه سيّارتي من اصلاح وخصوصا في مجموعة القيادة والتوجيه , لأنّها لن تستمر طويلا في المسير حتّى تتوقّف من جديد .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات