أراضي التعدين بالفحيص وماحص


الإختيار المكاني هو ما يُمكّن الكائنات الحية من البقاء على قيد الحياة، فماذا لو لم تهاجرالحيوانات موسمياً الى المناطق الأكثر ملائمة لطبيعتهم، وما الذي سيحصل لو بقيت ضمن بيئة لا تقدر على تغيرها كما يفعل الإنسان، بالتأكيد كانت ستنقرض.

الأرض على هذا الكوكب الأزرق، عزيزة وغالية وخاصة إذا كانت تتمتع بمناخ معتدل وخضرة وماء كما هي المناطق الواقعة الى الشمال والغرب من العاصمة عمّان مثل جرش وعجلون والفحيص وماحص... فهي درّة ما لدينا من أراضي، فهل أحسنت الحكومات المتعاقبة التصرف بها بما يحفظ التوازن بين استغلال مواردها وتنميتها.

كغيرها من الدول حديثة النشأة، حاولت إمارة شرق الأردن ولاحقاً المملكة الأردنية الهاشمية، منذ الإستقلال السياسي في العام 1946 أن تنشيء كيان وطني يمنحها الإستقلال الإقتصادي وذلك من خلال التنقيب في الأرض فكان أول ما تم العثور عليه بالصدفة هو الفوسفات في منطقة الرصيفة والحسا أثناء تمديد سكة الحديد المارة في الاردن (الخط الحجازي) عام 1906 وفي العام 1949 تم تسجيل شركة مناجم الفوسفات الأردنية المحدودة.

لقد فتح هذا النشاط التعديني الباب للبحث عن المواد الخام التي تدخل في الصناعة بغرض الإستهلاك المحلي والتصدير، وقد تم لاحقاً مأسسة هذا النشاط بتأسيس سلطة المصادر الطبيعية في العام 1965كمؤسسة حكومية تعمل بموجب قانون تنظيم شؤون المصادر الطبيعية رقم (12) التي ضمت مديريات التعدين والجيولوجيا والمياه والري.

لقد إحتاجت الدولة الناشئة الى مصانع وطنية تدعم صناعة العقار، فقد تم تأسيس شركة مصانع الإسمنت الأردنية في العام 1951 كشركة مساهمة ذات إمتياز وبلغ رأسمالها عند التأسيس مليون دينار أردني وارتفع الى 60 مليون دينار أردني بعد إندماجها مع شركة الجنوب للإسمنت في عام 1985. وفي عام 1998 باعت الحكومة ما نسبته 33% من حصتها إلى "مجموعة لافارج" الفرنسية وهي الشريك الاستراتيجي لشركة لافارج الإسمنت الأردنية، حيث تمتلك اليوم 50.2% من رأس مالها.

ما يهمنا في هذا السياق هي الأرض المقام عليها مصنع الفحيص والأراضي المحيطة بها في ماحص حيث كانت تجري عمليات التعدين لإستخراج المواد الخام اللازمة لتصنيع الإسمنت حيث يتم تجميع (كربونات الكالسيوم وأكاسيد السيليكون وأكسيد الألمنيوم وأكسيد الحديد) من الصخور الجيرية أو التربة الطباشيرية والطينية ، ويتم استخراج هذه المواد من المحاجر عن طريق التفجير والتعدين، ثم يتم تكسيرها ونقلها للمصنع حيث يتم تخزينها وتجميع وتقليب المواد بعد طحنها داخل خزانات خاصة باستمرار وتسمى هذه العملية بالتجانس.

لقد اتخذ اهالي الفحيص موقفاً رافضاً للمصنع منذ نشأته، وهذا حق مشروع لهم لأن المصنع يشكل تشوها بصرياً واضحا، ويتسبب بأضرار بيئية ملموسة، ولم تنفع جميع محاولات ادارات المصنع المتعاقبة في كسب ود الأهالي، لا من خلال التشغيل والمنح الدراسية لأبناءهم ولا من خلال المشاريع المجتمعية، وقد كثف الأهالي من اتصالاتهم مع أعضاء مجلس الأمة الذين تفهموا وجهة نظرهم المطالبة بإستعادة الأراضي المستملكة ووقفها للنفع العام.

القضية ليست بالبساطة التي يطرحها البعض، لأنها تتضمن حقوق ملكية للأراضي التي يقع عليها مصنع الإسمنت المتوقف عن العمل منذ فترة، واراضي التعدين في ماحص العائدة للشركة العامة للتعدين م.ع.م والتي تأسست في عام 1973 وهي الشركة الحكومية الوحيدة التي تم ترخيصها لاستخراج المواد الأولية للإسمنت من مادتي الكاولين والجبصين، وقد تم خصخصتها في مطلع عام 2003 ويشرف عليها مجلس إدارة مكون من عشرة أشخاص.

إن الأراضي التي تخضع للتعدين تُستنزف وتصبح عبئاَ على البيئة والمجاورين، وأكبر مثال على ذلك تلال الفوسفات في الرصيفة التي ما زالت قيد المداولة منذ حوالي ثلاثين عاماَ، الا اننا بتنا نستشعر نية طيبة من قبل شركة الفوسفات لإعادة تأهيل المنطقة كما سبق وان اقترحنا كمتنزه محلي ومنطقة حرفية، بالإضافة الى مشاريع حكومية أخرى لإعادة تأهيل سيل الزرقاء نتمنى لها الإنجاز السريع بعد طول إنتظار.

يلاحظ الزائر لموقع لافارج الإلكتروني فيلما قصيراً بالانجليزية عن صناعة الإسمنت، حيث يذكر المعلق بأن مواقع التعدين يجب ان تخضع لإعادة تأهيل Rehabilitation واعتقد بأن هذا هو مربط الفرس، فهل التاهيل اختياري ام اجباري بعد الإنتهاء من التعدين، بموجب العقود المبرمة بين الحكومة وهذه الشركات، نظنها إجبارية ويجب ان تستند أعمال التاهيل الى دراسة تقييم الأثر البيئي للمشاريع القائمة والمقترحة.

لقد سبق وان شاركت ضمن فريق مُصغّر في جولة إستطلاعية بهدف تقديم دراسة هندسية لإعادة تأهيل أراضي منجم ماحص، حيث كانت توجيهات صاحب العمل "التخطيط لإستعمال الأرض للأغراض السكنية الاستثمارية" وهذا تصرف حكيم مما يعيد الألق لهذه المنطقة الخلابة.

أرجو أن تستفيد الحكومة من تجربتها في الإختيار المكاني السيء لبعض النشاطات الصناعية، وان تعتمد على الدراسات في هذا المجال، ونتمنى على مجلس الأمة ان يطلب من الحكومة إعادة النظر بقانون الإستملاك ليغطي مثل هذه الحالة بعد إنتهاء المنفعة، فنحن في غنى عن التصعيد الذي قد يترافق مع الرفض للحلول المستندة الى نصوص قانونية جافة.

إن الحل يجب أن يأتي بالتوافق مع أبناء المنطقة بما يحفظ الحقوق المكتسبة للمستثمرين وبما لا يعود بالضرر على أبناء المنطقة، وهذه معادلة صعبة لا يقدر على الوصول اليها الا خيرة الخيرة في هذا البلد الأمين.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات