افلاس نخبوي .. وخطوط انتاج الرموز الوطنية معطلة


كتب : ايهاب سلامة - بوضوح .. نحن نمر بمرحلة افلاس بانتاج الرموز الوطنية والنخب، السياسية والفكرية والاعلامية وباقي المفردات المتوفرة بقاموس المسميات الحضارية ..

سياسياً، لم يعد لدينا لا شخصيات مستقلة فاعلة مؤثرة ولا قوى مؤطرة، حزبية أو نقابية، وما هو معروض في فتارين المشهد النخبوي الان، لا يتعدى شخصيات مُنتجة من مصانع قوى مهيمنة، تمسك خيوط اللعبة السياسية وتحركها كيف وأنا شاءت، وأنشأت دكاكين سياسية مصنعة، ونخباً خداج، ولدت بعمليات قيصرية أجنة واهنة مشوهة.

مصنع النخب الوطنية معطلة ماكيناته منذ عقود، وخطوط انتاجه عقيمة لم تعد تصنع رموزا وطنية قادرة على استقطاب الجماهير حولها والتاثير فيها .

في المقابل، خرّجت المدرسة الفكرية الاردنية في خمسينات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، قيادات ورموز وطنية أثر حضورها بشكل لافت، وتركت بصماتها حتى اللحظة، بل ما زالت وزال البعض يرفع صورها وشعاراتها ويستذكر اقوالها ومواقفها ويستلهم خطاه منها.

النخبة هم صفوة المجتمعات ونتاجها الفكري والثقافي والعلمي التي تعبر عن تطلعات الناس وطموحهم وهمومهم، وربما كان حضور الايديولوجيات الطاغي في الساحة الفكرية والسياسية الاردنية بعد منتصف القرن الماضي وتأثر الناس بها، سبباً مباشراً لافراز مفكرين ومثقفين شكلوا بدورهم صالونات سياسية كانت تعد مصانع لانتاج النخب، فيما تقتصر صالونات الساسة اليوم على غرف الدردشة والبوستات المقتبسة المخصصة للاستهلاك العام، اضافة الى صالونات حلاقة النخب المترفة بفنادق خمس نجوم.

وثمة نخب مؤثرة نأت نفسها بنفسها عن المشهد، لاسباب كثيرة تحتاج استفاضة في الشرح، ربما لفقدانها أي أمل بتغيير جذري أو ملموس، واحباطها من الواقع السياسي الراهن وآفاقه محلياً وعربياً، فغابت طوعاً، فيما غُيّبت نخب أخرى قصراً، ربما لم يكن خطها السياسي متماشياً مع السياسات الدارجة ولا من يتحكمون فيها.

اقتصادياً، لا تتعدى امكانات من يطرحون ويصنفون أنفسهم كنخب اقتصادية، سمح لهم الفراغ في غفلة من الزمن أن يملؤوه.. سوى التنظير والتحليل والخطابة التي اشبعونا فيها منذ عقود مضت.. فازدادت رغم تنظيرهم وتحليلهم لواقعنا الاقتصادي المتردي، الازمات الاقتصادية تردياً، وظلوا هموا هموا، كما الاصنام منصّبون فوق رؤوسنا على اعمدتهم الصحفية، ومؤتمراتهم الاعلامية، يروجون ذات الافكار البالية المستهلكة، ويقدمون ذات الـ"شو" الاستعراضي الذي يؤدونه أمام أعيننا المنهكة منذ تأسيس الامارة.

اعلامياً، ورغم عصر التقنية وثورة الاتصالات والانترنت والتطبيقات الذكية والاعلام المجتمعي، وارتقاء مستوى الوعي الجماهيري الى مراحل أعلى حتى من مستوى نخبهم، ظلت بصمة مدرسة الصحافة الكلاسيكية من القرن الغابر، ورموزها، ألمع، وأبرز، من الصحافة الحديثة و"رموزها"، وانتجت حينها اعلاما محترما، وقامات اعلامية، هيهات يوجد في سوق الصحافة الان ربع ربعها، عبر مواقفهم، وفكرهم، ومهنيتهم، بالرغم من عصر الاحكام العرفية الذي عاصروه وعايشوه، لنصل بعد عقود وعقود من الانفتاح وعالم تقدم وتغير ١٨٠ درجة الى مرحلة وهن اعلامي، على مستوى المهنة والوسائل والاسماء، والانكى .. المواقف !

فنياً، كنا نصدر الفلوكلور والثقافة والفن الاردني، باغنيات ومسلسلات أنتحت في العقدين السابع والثامن من القرن المنصرف، الى مشارق الاقطار العربية ومغاربها، وكان الفن الاردني من تمثيل وغناء وانتاج تلفزيوني ومهرجانات فنية وثقافية، ارفع مكانة من عقد القرن العشرين الثاني بعشرين مرة، ليصبح الفن الاردني الان مختزل بـ"نقابة فنانين" التي تسعى باستماتة لتوفير بعض
المداخيل الى منتسبيها الذين هرم جيل كامل منهم وهو غائب عن الشاشة الفضية، ومات جيل اخر وهو ربما يلعن الساعة التي فكر فيها ان يصبح فناناً.

المجتمعات الفاعلة تحتاج بشكل مؤكد الى نخب وقادة فكر ورأي عام، وحتى يتحقق ذلك، فان اشكالية النخب الاردنية ستظل قائمة لأزمنة قادمة، خاصة وأن لا تباشير تلوح بالافق القريب، وبالتالي ومن المؤكد، فأن امواج الصدفة ستحمل الكثيرين ممن سيملؤون الفراغ الحاصل بفراغهم، وبآخرين ممن يتقنون اقتناص الفرص، وركوب الموجة المواتية !

ومن عجائب الحالة الاردنية، ان هذا العطل الذي أعطب مواكين انتاج النخب، يتزامن مع تقدم مهول في وعي المواطن العادي، بل ومن يتابع بعض من لا تسلط الاضواء عليهم، ممن يطرحون رؤاهم وافكارهم، خاصة عبر العالم الازرق، يلحظ مستويات فكرية ثقافية خلاقة مؤثرة، ربما اتاحت ثورة الاتصالات لهم البروز بشكل لافت، وسهلت لهم المهمة، وان كان نطاق تأثيرهم محدودا ومقتصرا على دوائر ضيقة.

شلة النخب "المعلبة" سريعة الحضور والتحضير، يقبعون في أقبيتهم وعوالمهم الخاصة، خانعون راضون قانعون بما قسم لهم، حتى يقضي الله بهم أمراً مفعولا .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات