ورع الأردني و روعته !


سماء الأقليم و غيوم الحكومة تمطر مصائبا على رؤوس الاردنيين , و فوق ذلك يختارون الغوص في مستنقع الطائفية , لكأن ما فيهم لا يكفيهم ؟!
على المستوى المعيشي هناك إنهيار- لا مجرد تراجع فحسب – في حزمة الأمان الاجتماعي المتمثلة بتردي غير مسبوق في تاريخ ادارة الدولة على صعيد الصحة و التعليم و الخدمات العامة و النقل و الطاقة و غلاء غير مبرر سيما ان النفط – التي لطالما كانت ارتفاع اسعاره اهم حجة للغلاء و تراجع الخدمات – بات اليوم يباع بأسعار بخسة دون ان يرتد ذلك على كافة القطاعات المرتبطة به . المديونية العامة توغلت في الارقام المحظورة من دون ان ترتد اصلا بأي نفع على عامة الناس الذين لم يعد دخلهم كافيا لدفع الضرائب التي من المفترض انها تنعكس على حياتهم ايجابا !
اكثر من ذلك , الحكومة لم تقدم للمجتمع مشاريع كبرى تتكفل , اولا بتشغيل مئات الالاف من المعطلين عن العمل و تخليصهم من انياب التطرف و البؤس و المخدرات و ادماجهم في نهوض وطنهم . و ثانيا , بتخليص الاردن – و الى الابد – من صداع الفشل الاقتصادي و التعثر التنموي في قطاعات الطاقة و التعدين و المواصلات بشكل اساسي.
على المستوى السياسي و الامني نحن اليوم امام وضع عربي كارثي لم يكن اكثر الحاقدين على الامة العربية تفائلا بهكذا حال , و قد تبين اننا نعيش في دول رخوة , و مجتمعات تقبل التكيف مع كل اشكال التفتيت المرسوم لها التي تتخذ اليوم طابعا طائفيا لغيات تتعلق بدواعي تصعيد الصراع مع ايران و التعتيم على العداء مع الكيان , بعد ان كان ذات الصراع قد اتخذ طابعا قوميا قبل عشرات السنوات , لكن ذلك لم يعد ممكنا اليوم بسبب الحاجة للتفتيت الطائفي في سوريا . بمعنى ان تصليب الشعور القومي لا يخدم مشروع الاجهاز على سوريا .
داخليا , تعالت اصوات رسمية – بلا ادنى خجل – لحملة تجنيس تاريخية للاجئين من مختلف دول عربية شقيقة بلا وجه حق , مقابل رشاوي مالية ضخمة – لعلمك لن يطالك شيء منها - ما يعني ان ابناء الاردن على وشك تجديد اقاماتهم سنويا في وطنهم الام في المستقبل المنظور , سيما ان الإستطلاعات اظهرت نفورا غير مسبوق لدى الشباب الاردني من البقاء و العيش في الاردن !
دعك من السياسية . خلال الاربع و العشرين ساعة الماضية فقط ارتكبت جرائم مروعة ستتكرر بعد حين و من المؤسف القول انها لم تعد تشكل صدمة لضمائرنا و اعتدنا عليها مؤخرا . زوج يقتل زوجته بطلق ناري و يسدد رصاصات لرؤوس اطفاله ثم ينتحر . زوج اخر يقتل زوجته بالرصاص ثم ينتحر هو الاخر , تاركا ما تبقى من عائلته فريسة للبؤس و الاسى . عامل في محطة بترول في جرش يطلب من ثلاثة شباب اطفاء سجائرهم قبل تعبئة البنزين حرصا على حياة الجميع فيترجل احدهم ليطعنه و يرديه قتيلا !
ايضا فوق عمى المخدرات هناك " صميلة " تجارة السلاح , التي تشهد رواجا لا يصدقه العقل , و الذي يمهد لإنفلات حقيقي للامن في ظل الرعاية الرسمية للأحباط الذي يتعاطه المجتمع . هل يمكن النظر للتنزيلات الهائلة على اسعار المخدرات و السلاح و غض النظر عن اغلبها على انها تجارة " عادية " و لا يقف خلفها اشخاص اصحاب نفوذ لهم غايات اخرى اكثر قذارة من المال ؟!
هناك نزق تخطى كل الحدود و يتراكم يوميا لكنك لا تشعر بأدنى رد فعل من قبل الجهات المختصة , و لكأن ما يحدث شأن داخلي لدولة تقع على زحل !
الحياة السياسية في الاردن باتت حكرا على " شلة " ترى الاردن " دابوق " فقط , لا تعرف هموم مدنه و قراه . و برغم من كل التحديات التي تتصاعد في وجه الدولة و الشعب تنهمك الاطراف التي تتقاسم المناصب السيادية الامنية و السياسية العليا في حملات " بولش " لاشخاص يمنون النفس بالعودة " للعب " في ساحات " الرابع " !
لو كان هناك ادنى احساس بالمسؤولية , و الحد الادنى من الإلتزام الأخلاقي , لتنادى أولي الامر لتشكيل حكومة وطنية من اشخاص مشهود لهم بغيرتهم الوطنية , و قدراتهم الإدارية , ليس فقط لوقف تدهور مؤسسات الدولة و فقدان ثقة الاردني ببلده و " حكومته " , بل لدفع الاردن تنمويا و اعفائه من نماذج الدمار و اشواك " الربيع العربي " التي تتغذى على تربة الاحباط و مخلفات الفساد و تراكم فشل اداراة الدولة و غياب الهوية الوطنية و تفشي النعرات الدينية .
كل تلك المصائب التي تمطر على رأسك ايها الاردني و حضرتك لا تختار الانشغال بها و تتعفف عن الخوض فيها بحجج لا تصعب عليك , فأنت منهمك بتكفير المسيحيين – الذين تسعى و تحلم بالهجرة لبلادهم و العيش فيها ! - و شتم الشيعة و النفور من الحياة و الانهماك في الحديث عن الموت . يا لروعتك ... و ورعك !



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات