قاع المدينة بدون سياسة


هي عمان مساءا عندما تكتشف ؛ تجدها منهكة من بقايا نهار يوم الخميس خاتمة الأسبوع ، ومهما حاولت انعاشها ترد لك المحاولة بمقولة رصيف أخرج من بين جنباته رجال يسيرون الهوينى وهم يتحدثون في عمل يومهم المنهك ، وبقايا جرائد كما وضعت في الصباح وإن نقصت اثنتان أو ثلاثة نسخ منها ، ولكنها تبقى لليوم التالي كي يعيدها موزع الجرائد لأمها ويعاد تدويرها ، ورغم إصطفاف الكثيرين أمام بائع الكنافة النابلسية ، وقد يجعلك المشهد تظن أن هناك متسع لدى الناس كي يتذوقوا حلاوة نهاية يومهم ؛ إلا أن مرارة من خرج من وطنه كلاجىء ومن غادر عمله منهك ومن إستطاع أن يسرق لأطفاله ساعتين للتنزه تبقى في نهاية الحلق بعد الكنافة النابلسية بالقطر والسمن البلدي.

بائع الكتب يصدر العنوانين لواجهة محله وهي عنوانين لكتابات سقطت من أقلام كتابها على ورق ناصع البياض كفكرة أو حدوته هروبا من واقع أكبر من مئات الصفحات كي يكتب عنه ، وكتب عن خرافات دول ورجال سياسية وإعلام وخزعبلات سحرة للباحثين عن حظ سعيد في نهاية حلمهم المحطم على رصيف المدينة ، يوقفك عنوان لكتاب يقول فيه كاتبه حول العالم بمائتي يوم ؛ وعندها تتوقف لساعات كي تعيد رسم المشهد القديم وفي زمن القطار والباخرة وعندما كانت الرحلة في ثمانين يوما ، ونحن اليوم وبكل ما حوت حياتنا من تكنولوجيا الإنترنت هناك من زال يؤمن بأن رحلة حول العالم لن تتم بأقل من مائتي يوم .

وفي واجهات زجاجية في طوابق علوية من مباني عمان القديمة جلس العشرات من الناس وهم ينفخون دخان اراجيلهم ويداعبون خيالات أوطان سقطت بربيع من القطران ، وصبايا وجدن في مستع من قاع المدينة لحظة كي يرسمنا حرية لهن قد لاتتجاوز مسافة خرطوم أرجيلتهن، ونادل يسير بين الطاولات يقلب جمرات فحمه وينشر الابتسامة على الجميع ؛ لأنه يعلم أن دخان أراجيلهم يكفي كمساحة كي يحلموا كما حلم هو منذ خمس سنوات بوطن مختلف كما تختلف مياه نيل وطنه كل ثانية ، ويبقى طعم حلاوة كوب الشاي بالنعن هو الحقيقة الباقية من طعم قاع المدينة في مساء يوم خميس يأتي بعده يوم جمعة خطبة امام مسجدنا عن كفر الفلانتاين ، واجمل ما في قاع المدينة انه لا يوجد به سياسة .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات