وما لًقَيْصر أيضاً لغزّة!!


لو قرر أحدنا أن يواكب أهل القطاع والقطيعة القومية في غزة طيلة ثلاثة أسابيع بحيث يكتب يومياً تحت العنوان ذاته ، فسيكون حتى مضجراً ، في زمن تنبأ به ناظم حكمت قبل رحيله عندما وصفه بأنه زمن نذل وغاشم ولا يتذكر المرء فيه أباه المقتول أكثر من شهر واحد.. لكن هناك طريقة أخرى أقل اضجاراً للعربي الذي لا ينام قبل أن يقلب ألف فضائية وهو يتنقل من أعراس الدم الى مآتم الحرية ، وقد يمكث قليلاً عند زقاق تحول الى رافد من دم في بغداد ، أو عند حوار تحل فيه الكلمات مكان الكلمات ، فالحديث عن مستشفى جديد افتتح حديثاً في أرقى احياء ريو دي جانيرو وهو متخصص في ترميم ومعالجة الدمى والالعاب القديمة التي ورثها الاطفال عن آبائهم الموسرين هو في النهاية كلام عن غزة وأطفالها ، وقد تجرى عمليات جراحية لهؤلاء الاطفال بلا بنج وتخدير ، لكن قد تعطى جرعات البنج للعبة من قطن أو قش.

والكلام عن عرب خلعوا جلودهم وقلبوا معاطفهم ، وأداروا ظهورهم لبعضهم بحيث لا يشغل أحدهم سوى النجاة على حساب الشقيق هو كلام عن غزة..

والكتابة عن ناشطين من سبع عشرة دولة هذا الكوكب وهم يهتفون بلسان واحد وقلب انساني واحد للحرية هو كلام عن غزة ، ومشاهدة معرض رسم أو صور فوتوغرافية عن أطفال بلا يدين وبلا رؤوس وبلا معتصم تناديه أمهاتهم هو كلام في الصميم عن غزة..

والاصغاء بخجل قومي الى ما يقوله صحفي سويدي أو آخر فرنسي عن لا مبالاة العالم وصمته ازاء انتهاك مصائر البشر في عزّ ظهيرة التاريخ هو رسالة عاجلة عنوانها غزة..

والتحديق الى عيني تلك الصبية الوديعة التي فقدت ساقيها ثم تحولت الى صحفية تشهد بلا زور بعد عام فقط هو تحقيق صحفي متلفز عن غزة والعودة سبعة وعشرين عاما الى الوراء ومناجاة الشقيق الشهيد في سهل البقاع والكتابة بأصابعه هو نشيد لغزة وقيامة محمود درويش ليقرأ سورة العائد ويغذ السير الى وطن فقدناه بحادث سير هو درس الجغرافيا الأول في مدارس غزة.

واقتطاف عشر كلمات فقط من خطبة طارق بن زياد بعد ان أحرق السفن هو بكائية مائية عن غزة..

والصلاة بعد وضوء الدم والافطار على ما نزف من اللسان والشفتين هي دعاء لغزة بأن لا تفارق غزة،

وقراءة اللائحة التي لا نعرف ما اذا كانت بيضاء أو سوداء أو خضراء في مجلة «فوربس» عن أثرى الاثرياء في كوكب المليار متسول هو خبر عن غزة..

والبحث عن سيف الايوبي الذي بيع في أحد المزادات السرية هو دليل السائح الى قطاع غزة..

واطفاء الكهرباء والمدافىء وتخيل وابل القصف في رأس السنة العبرية هو اعتذار رمزي الى غزة،

ورقصة التانغو مع طائر ذبيح على ايقاع الفانتوم والأباتشي وصراخ الاطفال هو عيد سنة تبحث عن رأسها في غزة؟


التاريخ : 30-12-2009
 



تعليقات القراء

سمير عقل
أستغرب أن يكون تعليقي هو الأول على هذا المقال البالغ الوصف والبليغ في تعرية هذا العالم الذي يحيط بغزة من كل الجهات، ألمني هذا المقال أكثر من أن أرى مئات المتظاهرين في تل أبيب ينددون بالرئيس المصري وبجداره الفولاذي.
شكرا سيد خيري منصور ولا فض فوك
04-01-2010 02:39 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات