المكون السوري .. وفرص التنمية


طالب الأردنيون مثل غيرهم بمحاربة الفساد والإصلاح, ليس تقليدا وتشبّها بالغير في عنفوان الربيع ومواسم الاحتجاجات, انما لأن هناك الكثير الكثير بين ظهرانينا من الفساد وما يستدعي الإصلاح, وفي حين كان العرب يمنة ويسرة, يُسقطون ويغيرون ويخوزقون, ظل الشعب الأردني متزنا دقيقا في الحسابات, ثابتا في الرؤى وحكيما في تقدير العقابيل, عاشقا لوطنه حريصا على منجزاته.

وظل الاردن الوطن جوهرة أهله المكنونة التي تتوج خزائن القلوب ودرة الدرر التي لا يعرّضها أردني للخطر مهما كانت الظروف والمبررات, وظل الأمن والاستقرار لكل الاردنيين الهدف والمبتغى, قابضين على جمره, رغم الكثير من الضنك والعوز والشعور بالظلم وعدم المساواة, وحتى مع القناعة المطلقة من وجود قصور رسمي واضح بشأن الفساد والإصلاح.

وتذبذب الوضع بين استمالة المحتجين بالعصير والماء البارد, الى قوانين القمع وتكميم الافواه وتكسير الأقلام وحبس أصحابها بقوانين أمن الدولة زورا وبهتانا.

الأردنيون من كل "الثوابت والعقول" واعون لما يجري حولهم وفي جوارهم القريب, وواعون أكثر لما ينخر عظم وطنهم من الفساد وعفن الترهل الإداري ومحسوبيات شغل المناصب العليا في الدولة وتوريثها, ويدركون تماما حجم كارثة الخصخصة وبيع بقرات الوطن الحلوب كلها ببخس الثمن, ولا يجهلون تغول شخوص بعينها ومنذ عقود والى ان يشاء الله على مفاصل القرار وعجينة الاقتصاد وكيكة التجارة والاستثمار, من أمنية وحتى بورتو البحر الميت, وما قبلها وما بعد بعدها, ولكن خياراتهم كانت واضحة جلية, الأردن, اولا وثانيا وثالثا.

يتذمر الكثيرون لضيق ذات اليد والحال, البطالة المرتفعة, ارتفاع الأسعار, التعليم, الصحة, المستقبل, الغربة في الوطن, أكوام الفساد, وأكوام اللجوء وخطف لقمة العيش من أيديهم وعن أفواه أطفالهم, ولكنهم عندما يضطرون للإختيار, الفوضى ام الوطن, فإنهم لا يترددون, الأردن, اولا وثانيا وثالثا.
ماذا بعد؟

وقد وقف الاردنيون, والغربة تمتهن كرامتهم في ديارهم, وترميهم على قارعة الخوف على الغد ومستقبل الأجيال والوطن, وتتقاذفهم المجاهيل من كل حدب وصوب, وتحدق بهم الف علامة استفهام وفم غول فاغر هامر, لا ينجرّون لتطرف او عمل مريب, ويختارون ثانية, الوطن وأمنه وسلامة موجوداته على كل آخر وبديل.

لن أعود كثيرا الى الوراء ولن اتحدث عن جذور المشاعية والغربة في الوطن التي واكبت تاسيس الاردن الحديث, ككيان سياسي اجتماعي جغرافي, ولكنني سأكتفي بالإضاءة المتحفظة على كارثة اللجوء السوري وطريقة الدولة الاردنية بالتعامل معه ومعنا بخصوصه.

2 ــ 3 مليون لاجئ سوري شقيق, خلال اقل من خمس سنوات, يسدون عين الشمس والهواء عن أهل البيت والمعازيب الى درجة ان الأكسجين قد بات في غرف انعاش المستشفيات أوفر منه في فضاءاتنا وبيوتنا وشوارعنا وزنقاتنا.

وفي ذهول شديد وتحت وقع الصدمة والمفاجأة, يقف الاردنيون, تعذبهم أسئلة لا يجدون عليها ردا ولا محاولة رد: ماذا بعد؟ الى اين؟ ما القادم؟

وأمام سياسة الإحلال المستديم, وتغيير حثيث للديموغرافيا الاردنية, مع سبق اصرار وترصد لا يميل لصالحنا بأية حال وحدس, تتكرر الأسئلة وتزيد, وتعظم ضرورة وجود اجابات او بعض اجابات عليها او على بعضها.

ومع العودة لتجارب اللجوء التي تعامل معها الأردن على مر العقود والأزمات, وفي ظل واقع ملموس لا يختلف عليه اثنان, فقد بات من المؤكد للأردنيين ان من دخل بيت ابي سفيان فهو آمن, ومن دخل الاردن لن يخرج منه, ومن بنى واشترى واستثمر لن يغادر, وأن هذا وذاك سوف يتمنطق قريبا بالرقم الوطني وجواز السفر الاحتياط, يداس مرة ويمزق اخرى ويعترف به بعض حين وحسب الهوى والحاجة, خاصة وأن العالم بات يقايضنا ملاليم اغاثة اللاجئين بضرورة استيعابهم وتشغيلهم,

وبات اردنيون في موقع المسؤولية, يتحدثون عن "المكون السوري" وأن اللجوء السوري هو فرصة للتنمية, وما شابه من شعارات ونظريات ليست اقل حماقة من مطلقيها.

وبالختام وحسب المعطيات المنظورة, فهل هناك ما يفسر هذا الواقع والتوجه الرسمي غير المعلن, الا النية لزحزحة الحدود واستيعاب الديموغرافيا المواكبة, ودون أن يُسأل اهل البيت والمتضررون ومن سقوا بدمائهم ودماء أبائهم وجدودهم على مر الأزمان والحقب, روابينا وسهولنا وشوامخ جبالنا؟

وأين يذهب وماذا يفعل, السائل المزاح عندما يطفح الكيل؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات