ما بعد استقالة المصري ..


سمع العالم عن الاستقالة المسببة و المباشرة للوزراء ، و سمع عن الاقالة و عن الطرد ، اما " امر بقاء الوزير"  فهو مصطلح جديد في قاموس السياسة لم نسمع عنه من قبل ، يفتقر الى الوضوح ، تلاعب سفسطائي بمفرادت اللغة ، و هو من عجائب مفردات الشفافية التى سمع بها الشعب  مؤخرا و لم يتعرف عليها ، و تنحصر في محاولة حصد رد من مربع الضوء بأشعة  "كف الاستقالة " اي الغاؤها .

 هذا الاختلاف على مساحات الكونتور السياسي في اللغة بين عامية الخطاب و خصوصية الموقف ، و الذي صدر عن وزير الزراعة الاردني بالامس ، جدير بالحل المباشر و الجذري.

 و في حال حدث ذلك الكف و الابقاء على الوزير ،  فأن المجتمع امام " عقدة منشار" وضعها وزير الزراعة رغم تصريحه بأنه لن يكون العقدة في المنشار .

 "امر البقاء " بين يدي رئيس الحكومة يفهمه البعض على ان الوزير غير مقصر ، و غير عابيء بما حدث ، و ان رئيس الحكومة صاحب الولايه والقرار في ان يقبل او لا يقبل بقاؤه في الحكومة بعد حادثة الاختلاس في وزارة الزراعة و التقصير في المعرفة و المتابعة ، امام الشعب.

  ما حدث من "بروز" هذا المصطلح يقود الى التفكير في هل  تعتبر تلك "استقالة قانونية " ، ام مراوغه سياسية ،ام ايحاءات ؟،  او انها " خانة يك"  اراد ان يضع الوزير فيها رئيس الحكومة

 اما م الشعب ؟ ، فأن بقى قال الرئيس ابقاني ، و ان خرج قال  انني استقلت .

 الوضوح هنا غائب ، و الشفافية ملتبسة ، و الكلمات مدغمة ، و تصنيف " امر البقاء " لا يحتمل اكثر من تفسير واحد هو الرغبة في الثبات في الموقع و عدم التنازل عن الموقع مهما حدث .

 استخدام هذا المصطلح "امر البقاء" الشفوي واكرر هنا "الشفوي " ، هزت صورة الوزير في الساحة ، رغم ما كتب عنه بالاشاده مع اول خيوط " الاستقالة " التى اعلن عنها ، و التى اعتقد بعض من الصحفيين انها استقالة مكتوبة  و موثقة كما هو العرف في تاريخ استقالات الوزراء.

  و لو تفضل بأعلان استقالة صريحة لدخل مشاتل "الياسمين  و الفل " ،و لكنه اراد غير ذلك ،او ربما اشير عليه بما لا يعلم رغم النصيحة المسبقة له "استقل "، قبل فوات الاوان . ولكن يعتقد البعض ان  النتيجة من "مصطلح امرالبقاء " شجرة بلا ثمر .

  و يتسائل البعض هل يفرج الرئيس  عن "الامر " و يتغاضي عما حدث و يسمح للوزير بالبقاء؟ ، او ان يقيله و يتحمل بنفسه نتيجة الاقالة ؟ .

الكرت الاحمر في يد الرئيس ، نابعا من خبرته التحكيمية ، و رغم ان الجمهور شاهد الوزير قد ادخل الكرة بيده الى الهدف ، في مخالفة صريحة لقوانين القدم ، هل يحكم له ام عليه ؟ ، ابقاؤه ام طرده من المعلب السياسي ؟ ،ا ن ذلك هو ما يتطلع اليه في خلال الساعات القادمة.؟ مع صباح يوم جديد تحتاج فيه وزارة الزراعة الى تقليم .

 القرار اليوم يعتمد على حامل الراية لاحتساب ما حدث رغم علمه بأنها مخالفة صريحة ، و رغم النصيحة بتقديم استقالة واضحة مباشرة دون مفردات ، الا ان وزير الرزاعة المحترم اراد توظيف اللغة لادخال السرور المؤقت على من استفزهم و من ثم اشباع رغبة الاستمرارية ضمن الفريق الوزاري.

و لكن الحق يقال انه عندما كتب عن ضرورة استقالة وزير الزراعة ، و تناقلت الاخبار "نباء الاستقالة " في خبر عاجل فرح العامة و الخاصة بموقفه ، و بعدها تقلص الخبر رويدا بدخول ثاني اكسيد الكربون السياسي عليه ، و انحصر من استقالة مكتوبة الى شفوية حسب الناطق الرسمي للحكومة ، ثم مؤخرا تبخر الى "وضع الوزير امر البقاء في يد رئيس الحكومة ". و هذه لا تعني استقالة  بل تؤدي الى طقس غائم  محمل بسحب وبتفاعلات الساحة و قرار الرئيس الاكرم.

 لم يكن طلب اقالة الوزير  يراد به فقط كف الاذى في شأن داخلي ، و لم يقصد به درء المسؤولية و الشبهات ، و لم يعن المساومة على التواجد في الحكومة ، و لم تصنف الاستقالة بأنها ازهاق روح وزير مقصر ، و لم تكن لاغفاله حاله في وزارته او غيرها، و انما كل هذا واكثر ،و كان القصد منها هو "وقف  الاعتداء" على المال العام ، و محاصرة الفاسدين ، و تحمل الوزير لمسوؤلية سياسية و ادارية ضمن مفهوم ادبيات واخلاقيات المسؤولية السياسية لما حدث في عهده . و اغلاق ملف "الدلع الوزاري" و تدليع "الوزراء"  . المنصب الوزاري له مكانه و شأن و حرمه و التزام .

 

لا بد من الحزم و اعطاء المنصب حقه .

 

و لكن ضاعت الاحلام ، و تكسرت همة المصداقية ، ببزوغ بدر اللغة الجديدة و هي "امر البقاء" ، و التى هي حالة احراج مزدوجة لحكومة الرفاعي في اول غيثها الماطر ، و تحويل الكرة الى ملعب الرئيس ، في مرواغة محكمة تنكر حق الوطن في ان يقال يوما ان وزيرا استقال لتحمل مسؤولية . لمذا اتت تلك الحالة بهذا الوصف ، سؤال يبحث عن اكثر من اجابة .

 

اذا ما اريد للوطن ان يسجل لحظات انتصار ، و للحكومة ان تصدر قوانين مشرفة ،  فأن اول قانون يجب ان يصار الى تفعيله هو "قانون الوضوح " ، حتى لا تنبعج الصورة بين التيقن و الايحاء . و حتى لا تدخل الى عقول الابناء "ذكريات مزيفة "  من صنع مفردات تتلاعب بكرة  البيض السياسي  و التفريخ المهجن.

 من اراد ان يبقى وزيرا  ليقلها صريحة واضحة صائبة ، و من اراد ان يستقيل فليفعلها برجولة و يرحل .

 قرار الرئيس غدا صريح و بدون "غمغمة "  هو " البقاء لله وحده ".

 اعتقد ان الرسالة فهمت . هارد لك .

 aftoukan@hotmail.com

 


 



تعليقات القراء

ري ري
جدا سعيدة بحالة التأهب الذهني لديك

وأعجب أكثر لتلك الديناميكية في الالتقاط والتحليل التي تتوافر لديك د. طوقان باجمل وامتع صورة في الطوفان الحكومي المقيت

26-12-2009 04:45 PM
لو كان فيك ...
كان الأجدر بك بأن لا تبقى في منصبك
27-12-2009 09:15 AM
مواطن
د. طوقان لو كنت مكان المصري أجب عن هذه:
هل ستستقيل؟
هل انت المسؤول بشكل مباشر؟
أين كيلك الفرضي على السلسلة ما قبل الوزير؟
شكراً
27-12-2009 10:15 AM
احمد الجبور
د طوقان انت ممتاز وانا معجب بشخصيتك هذ كلام رجال مش لعبة كراسي موسيقية
27-12-2009 10:34 AM
محمد الطراونه
ايها الكاتب الاميز و المفكر السياسي بحق اشبعت قلوبنا برجولتك و جرأتك في الطرح حماك الله و ادامك ذخرا للاردن الهاشمي الذي يفخر بك ابنا بارا لهذا الوطن كلنا معك
27-12-2009 11:09 AM
المواطن
ايها الصديق الدكتور عبدالفتاح
لقد كتبت فصدقت واوجزت ولكن مثل ما بتعرف فلم هندي باخراج اردني
27-12-2009 11:10 AM
الى الكاتب
استغرب تناقضاتك وانت الذي كتبت قبل ايام بالتهليل والطبل والزمر لرئيس الحكومة قبل ان نعرف خيره من شره .... كل نفس بما كسبت رهينه وكل رئيس بما سيقدم يحكم على ادائه فلا نستبق الاحداث .. حادثة وزارة الزراعة.. حدث ولا حرج فما يحدث في جميع الوزارات ومؤسسات الدولة اكبر واعظم .. فهل سنرى الحساب قائما ولا يبالي باسماء ومناصب ام انها فقاعة تعودناها نحن الشعب المغلوب ..
27-12-2009 11:17 AM
سعيد حسن الصوالحة
لولا ان الموطفين الذين أختلاسو المبلغ عارفين انو الوزير منهك بعملة الخاص , وتصفية حسابات مع الموطفين ومنهك بكل الامور ماعدا الرقابة الكبيرة ولو رؤوس القلام على وزارة كان ما صار الي صار
وكان ما انجبع المنشور المسيئ للرسول علية الصلاة والصلاه بدها مها الخطيب مسارات سياحية ومطرازات وحرف يدوية ومن حبل القلعة بدها تطول اقامة السايح يوم بينك وبين السياحة راس الرجاء الصالح
27-12-2009 12:05 PM
محمد الروابدة
كل ماتقدمة الحكومة من كلام يطير في الهوا لانها غير صادقة ،،،،،،

مرة تقديم اشهار الذمة ....ومرة بايحاءات بان الحكومة ستحاسب نفسها ان قصرت....هاهي تقصر ويقدم الوزير استقالتة ويرفض الرئيس ويطلب منة البقاء للاشراف على عملية التحقيق ،اي تحقيق دولة الرئيس والسارق هاب اي ان الجريمة واضحة والتقصير واضح ،والرجل قدم استقالتة وهو الكسؤول المباشر عن وزارتة ،فلماذا ترفض الاستقالة ، اذا قلتم انة جديد ولا يعرف ماذا يجري داخل وزارتة فهو منوزارة الذهبي ويعرف الوزارة ويجب علية تقديم نفسة للمحاسبة لا للاستقالة.....اقبل الاستقالة دولة الرئيس وليقدم الوزير مع من سلب ونهب من وزارتة الى القضاء العادل.
27-12-2009 12:10 PM
طويل شهاق
في غياب المحساسبه العادله وفي ظل غياب الصلاحيات اللا محدوده لجهاز رقابي وطني صارم بحيث يضع هذا الجهاز محبه االوطن والشعب و المليك حقا امام عينيه وان يعلم , كل فرد في هذا الجهاز ان خلاف ذلك سينعكس سلبا على عائلته و اهله وشعبه ووطنه ,في غياب هذه العوامل فان الانفس المريضه ستبقى معشعشه في كل زاويه يتواجد بها المال العام و سيبقى هذا المسلسل في دائره العرض.حمى الله الاردنوشعبه و مليكه.
11-01-2010 02:18 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات