التعريط حين يكون حكوميا


يتهافت شريحة من الميسورين والباعة والمهووسين بالتميز والتفرد (الفارغ) على شراء واقتناء أرقام (يقال لها مميزة) بدءا من خانة الآحاد والعشرات والمئات والألوف ....وهكذا, تراهم يتزاحمون بعضهم بأشكال وقامات تنحني لها هيبة وخشية واحتراما كأنك أمام ولي من أولياء الله, أو في حضرة شيخ وقور أو رجل دولة أكل عليه الدهر وشرب في خدمة الوطن والمواطنين.

يا عيب الشوم, يا عيب العيب على هيك فكرة !! يا حسافة كما يقولون ويا خسارة وياما جاب الغراب لامه!! حين يتحول التميز والتفرد من اقتناء الصيت المبني على طيب الأفعال والمواقف والخصال والسجايا إلى التميز والتفرد باقتناء اللوحات الحديدية ذات الأرقام الصمّاء التي لا تعني شيئا لكل حصيف رزين وقور إلا معنى واحدا هو أننا شعب يهوى التعريط والخُيلاء على بعضنا بعضا كالطواويس لا أكثر.

لعل ظاهرة التعريط والعهر الاجتماعي كانت فيما مضى سلوكات شخصية (محصورة) يتحمل وزرها وعقابيلها الشخوص أنفسهم, فهم أحرار ولهم الخيار في أن يمشوا ويختالوا وعليهم احتمال فاتورة الغمز واللمز واستنكار العامة من حولهم حتى من خاصة الخاصة المحيطين بهم.

أما أن يتحول التعريط إلى سلوك ممنهج بمظلة حكومية فتلك المصيبة وربما الفضيحة الأخلاقية والإدارية, أمر لا يصدق حين يتحول العهر والفجور إلى سلوك حكومي مؤطر بتعليمات وقوانين بلا أي اعتبار إلى فضيلة احترام الدولة لنفسها وبلا وعي أو تمحيص, انه – شئتم أم أبيتم - خلل فاضح واضح يجري تحت قيد اللهاث نحو التكسب من فكرة عبثية تقلل من شأن الدولة وتلطخ سجلها في عيون مواطنيها قبل سفراء الدول المتحضرة, وهو فعل كفعل التي جاعت بعد قنص وشبع فاستمرأت حتى استسهلت دروب الخنا وأكلت بثدييها بلا ورع أو خشية.

من الذي فكر واقترح وقرر ونفذ؟ الكل في شَرَك المسؤولية سواء, الكل مسؤول مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون قانونية عما يجري في أروقة ومكاتب الترخيص, البعض يشتري رقما والبعض يشتري عشرات الأرقام حتى إذا ما انتهى مزاد الدولة (العرطوي) في هذا الباب ونضبت (صفقة) الأرقام كما تنضب (صفقة أحزمة الأمان أو طلبية الطفايات والداللايات) بعيد كل حملة شتوية مقصودة, يقوم سماسرة العرط ببيعها بأسعار باهظة لهواة التعريط, أسعار تفوق ثمنها الحقيقي إذا ما افترضنا جدلا أنها تساوي في قيمتها المعنوية (حفنة من الملاليم).

ذكرتني حمى الأرقام المميزة بما قام به الفوهرر (هتلر) – يرحمه الله - عملاق العشق الوطني وحامي حمى العرق الآري (الذي يبز كل المتخاذلين بحق أعراقهم وأعرافهم), الفوهرر نموذج البطولة والفضيلة الوطنية بلا منازع كان يردع ويخيف الدول المعادية له باستخدامه الرقم (0000), كان يصرح دوما قائلا: (ويل لكم إن أمرتُ بفتح أبواب المستودع رقم (0000 ), ظلت الدول المتربصة ترتعد من هول ما يخبئه الألمان من قنابل ربما جرثومية أو نووية وربما أسلحة ذات نوعية جديدة لم يسمع بها العالم بعد مخباة في المستودع رقم (0000 ), وحين انهزمت ألمانيا ومات الفوهرر منتحرا اقتحموا المستودع المخيف وإذ به يعج بالبساطير العسكرية ذات النُمر (...., ......, والخارجة عن الخدمة والصلاحية ), ترى ما الذي تحمله أرقام التفرد المعروضة في المزاد من معنى مهما بلغت من الأناقة والرشاقة والنحافة؟؟ إن العامة وأنا منهم حتما لا نفهم أي معنى على الإطلاق إلا معاني خيبة الأمل والأسف على ما يجري.

عيب والله وألف عيب, ليس إلى هذا الحد من السفه تصل بنا الأمور حين تتهاون الدولة بواجب (صون الكرامة الوطنية) لتتحول إلى مُهدِرةٍ تطيح بأنفة الوطن وراعية للعهر والتعريط وإثارة حفيظة العقلاء المتميزين بوطنيتهم وانجازاتهم, فهم الأوّلى والأجدر بتمييزهم وتعزيزهم وفق معايير محددة تمنحهم أرقاما وخانات ( يتعارف عليها الناس) بحسب كل مجال لنعزز فيهم وفيمن يأتي خلفهم حب العطاء والانجاز حين توضع على سياراتهم ارقام مميزة بصفتهم (استثناء ونموذج يُحتذى) مما يعظم من تزايد أعداد الاكفياء لا أعداد المترفين وعشاق العهر والتشاوف بأرقام غير معنوية (لا معنى لها), يقال عنها بلغة أهل العلم والقياس (un significant figures).



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات