جنيف لا نجاح ولا فشل !


قد يتساءل بعض المتخصصين لماذا لا يكون هناك نجاح ولا فشل في جنيف القادم ؟! وللإجابة نقول : رغم ادعاءات أمريكا بأهمية وضرورة الحل السلمي ، إلا أنها عملياً تمارس الدفع باتجاه الحل العسكري عن طريق أدواتها الإقليمية الداعمة للتنظيمات الإرهابية في سورية وعموم المنطقة ،وهي تفعل الفعل ذاته الذي فعله إبليس حين فضح نفسه ، حيث قال ( ثمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ) 17 الأعراف ، وللتوضيح أكثر نقول : حين يتم الحديث عن سورية وكأنها عقار ، ويأتي هذا التنظيم ليقول نحن نمتلك أراضي سورية كذا بالمائة ، ويأتي أخرى ويطرح ذات المنطق ، منطق المحاصة والحصص ، فإن الحديث هنا عن أراضي مشاع تطرح لغايات الإفراز وليس عن وطن ومؤسسات ودولة قانون ، يتم التفاوض على مصيرها ومصير شعبها ونظامها ، والسؤال هل يوجد في العالم معارضة وطنية تتحدث بهذه اللغة ؟! بالطبع لا يوجد ، وبالنتيجة أن هنالك منطقين منطق دولة تمثله الحكومة السورية ،تبحث عن معارضة جادة وحقيقية تتفاوض معها ، ومنطق عصابات تمثله المعارضة ومن يمثلها،وترفض أي تواجد للحكومة الشرعية السورية المنتخبة من قبل الشعب ،لا بل وترفض وجود حلف المقاومة ككل بدءاً من الجيش السوري ، مروراً بحزب الله ، ووصولاً إلى إيران والعراق وروسيا وباقي الحلف المقاوم في المنطقة ، وإلا كيف تعلن إسرائيل بأن الخطر الأكبر يتمثل في إيران ؟ وكيف يتم الإيحاء للسعودية لاستفزاز إيران الذي بدأ بالبحرين والعراق وسورية ومن ثم اليمن ، وبعد ذلك تبدأ مراحل الاستفزاز المباشر والتي تمثلت بما حدث مع الحجاج الإيرانيين ، نتحدث عن وفاة 2000 حاج إيراني ومن ضمنهم شخصيات لها وزن سياسي كبير جداً ، وصولاً إلى جريمة الشيخ نمر باقر النمر ، وقصف السفارة الإيرانية في صنعاء، إضافة لذلك كله الدعوة السعودية إلى قطع العلاقات العربية والإقليمية مع إيران ، والغريب أن السعودية تفعل ذلك وهي تعلم القدرات الإيرانية التي من الممكن تمحي السعودية عن الخارطة بساعتين لا أكثر ، إلا أن هنالك فشل يطفو على السطح ، وهنالك أيضاً غضب أمريكي يترجم بتهور سعودي .

إذاً عملياً يوجد انزعاج واضح وفاضح من شركاء حلف المقاومة ، وانزعاج من الاتفاق النووي الإيراني ، مضافاً إلى انزعاج أخر يتمثل في ما تمخض عن بيان فينا السابق والذي جاء واضحاً وصارخاً في ذات الوقت ، سيما في مسألة أن الشعب السوري هو من يحدد ويقرر مصيره ، كل هذه المعطيات تعطي دلالات تمكننا من تظهير القادم في مضامين جنيف لا في العناوين فحسب...!!

ولو أردنا هنا أن نفترض حسن نية الأمريكان ، فما الذي يدفع باتجاه التصعيد مع إيران سعودياً ؟ والتصعيد مع روسيا تركياً ؟ والتصعيد مع حزب الله إسرائيلياً ؟ ومع ذلك فليس من فرصة أمامكم بدليل أن كل من يدور في فلك البتر ودموية هم من حلفاء الدولار الأمريكي ، والريال السعودي ، وليس شركاء حقيقيون ، وهذا ما ظهر من خلال الدعوة إلى ما سمي التحالف الإسلامي ، والذي في تقديرنا عمل إلى حد كبير على تعرية السعودي وهو لاهثٌ وراء الشريك السياسي المفتقد على أرض الواقع وحتى الشريك العسكري المتواجد في الذهنية السعودية فقط لا غير بدليل ما شهدنا من نتائج بعد الدعوة السعودية لقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران ، فما الذي حدث على أرض الواقع ؟!
لا شيء ، لماذا ؟! لأن هنالك مصالح اقتصادية مع إيران لا تستطيع لا السعودية ولا أمريكا التعويض عنها ، مصالح تجعل من الحليف الأكبر للرياض ، وأقصد اردوغان يعد للمليار قبل أن يقدم على حماقة تزعج طهران ،

ومن جهة أخرى ، أي إذا أردنا تفكيك وإعادة تركيب الزوايا أجدني لا استبعد أن هناك مخطط أمريكي لتوريط كل حلفاء الأحادية القطبية القدماء والذين في تقديري المتواضع انتهت مدتهم الوظيفية أمريكياً، ولم يعودوا صالحين ولو لاستيعاب المصالح الأمريكية الجديدة والمتجددة في المنطقة والعالم ، فكيف سيتمكنون من حمايتها أو تنفيذ ما تقتضيه هذه المصالح التي تختلف تماماً عن المصالح التقليدية في المنطقة ، ما العمل إذاً ؟! لو كنت صاحب قرار في أمريكا لوضعت على الطاولة تسهيل مهمة انتحارهم الذاتي من حيث المبدأ ، ما دام أن ذلك الأمر يخدم مصالح أمريكا كشريك في التعدد القطبي القادم ، وكلنا يذكر تصريح كيسنجر حين قال : من غير المستبعد ألا نرى إسرائيل في 2020م ، هؤلاء يؤمنون بمنطق الأقوى ، والأقوى ليس فقط عسكرياً وفي الميدان مع أهمية الحسم الميداني وخصوصاً في الساحة السورية التي لا تنفع فيها أي من المعادلات الأخرى ، إلا أن ما أود الإشارة إليه أن هنالك موازين أخرى للقوة مثل التقدم العلمي والتكنولوجي والصناعي والمصطحب بإرادة شعبية حقيقية وغير مزيفة ، وبخاصة في ذهنية وعقلية الأمريكي صاحب العقل المستهلك ، والذي يؤمن بقاعدة أن على كل من يفلس الخروج بهدوء من الساحة السياسية ومن الملعب الدولي ،وكلنا يرى بوضوح الأوضاع السعودية والتركية وما ألت إليه الأمور اجتماعيا وسياسياً واقتصاديا ، هذا عدا عن أن الأمريكي يراقب كيف أن السكين الفلسطينية تهزم النووي الإسرائيلي ، وهذه مسألة لم تكن أصلاً موجودة في الذهنية العسكرية سواء تحدثنا عن الإرهابيين أو الداعمين أو المشغلين الأمريكان أنفسهم ، لا بد إذن أمريكياً من إعادة هيكلة لا الخطة أو التخطيط فقط ، وإنما كامل النظرة لتلك الأدوات التي تحترق محلياً وإقليمياً ودولياً ..!!

كل ذلك يتأتى و المناخ العام في أمريكا غير مواتي بسبب الانتخابات التي لا تساعد في تجاه مساعدة الأدوات التي تخسر وتهزم ، كيف ؟ هذه الأدوات تهزم في الميدان العسكري فتقد أمريكا أوراق التفاوض السياسي في جنيف وغير جنيف ، وتخسر اقتصادياً فتعمل نزيف غير مباشر في شريان الاقتصاد الأمريكي البلطجي أصلاً ، إضافة إلى تراكمات في الحماقات السابقة والتي كلفت أمريكا الكثير ، مضافاً لذلك كله التجرؤ التركي والسعودي وحتى الإسرائيلي على ممارسة سياسة لي اليد الأمريكية ، من خلال الحماقات والتي غضت النظر عنها أمريكا ، نعم ، لكنها ليست في وقتها وإن كانت مصلحة أمريكية ، وهذا في تقديري يعتبر خط أحمر بالنسبة للأمريكي يدفع صوب تصفية الأداة المتمردة ، ونستنتج مما سبق أن نجاح جنيف ليس مصلحة أمريكية بالكامل وكذلك الفشل ، ما العمل إذن ؟! العمل إبقاء الوضع على ما هو عليه إلى أن تأتي حالة صاعدة جديدة ومنهج جديد، يضمن لأمريكا مصالحها حتى في حالة الاستغناء عن وظائف الأدوات السابقة في ظل العالم الجديد.
وهنا يتوالد السؤال التالي: ما دام أن الأمر على هذا النحو الذي ذكرت فلماذا جنيف أصلاً ؟!! وللإجابة نقول : هم يريدون اللعب على الزمن ، والميدان السوري يفقدهم الكثير من الأوراق ، فلماذا لا يحاولون كسب الوقت من ناحية سياسية ، وتحقيق على الطاولة ما لم يتحقق في الميدان من ناحية ثانية ، إن أمكنهم ذلك طبعاً ، لكن السوري ذكي جداً وقد أعلن مسبقاً أنه (لا تفاوض مع إرهابي ) ، والسؤال من أين يأتون بمعارضة بيضاء نقيه ؟! في الحقيقة لا يوجد ، ولعل هذا السبب الأهم في عدم النجاح والفشل ..!!

نتحدث عن صراع دولي إقليمي مركب ساحته الأساسية سورية، والسياسة الأمريكية التي لم تعد خافية على الراعي والفلاح في المنطقة تتمثل في : جعل كافة الأطراف بحاجة إلى قوة مضافة ، وبالطبع أمريكا هي القوة المضافة ،إلا أن ما أود التركيز عليه هنا : أننا نعيش في عصر التكتلات ، وإذا أرادت أية دولة الاستمرار في العالم القادم عليه أن تبحث عن التكتل الضامن لاستمرارية نظامها ، وليس ممارسة الانتحار كما تفعل كل من تركيا والسعودية وقطر ، وهنا أتساءل والسؤال للزعامات العربية : أي استمرارية لكم ولدولكم في ظل التشظي العربي المستمر ؟!

ودعوني أقول كلمة لوجه الله تعالى : اقسم بالله العظيم أن إيران أضمن للسعودية من إسرائيل وأمريكا ، وستثبت لكم الأيام صدق قولي ، إلا أن ما أدعوا إليه مستحيل لأن السعودية لا ولن تخرج عن الأمريكي قيد أنملة، وقد تورطت في عدة مناطق وبالدم أيضاً في العراق وسورية واليمن الغريق دموياً ولبنان وليبيا ، وليس أمامها إلا ما ينتظر بقية حلفاء أمريكا ممارسة الانتحار الذاتي ...!!

إذاً يبقى الرهان على الميدان العسكري في سورية ولا شيء أخر لا جنيف ولا غير جنيف ، كل هذا مجرد حديث لكسب الوقت ، وما لم يتحقق في الميدان العسكري لا ولن يحمل أية قيمة سياسية ، وختاماً نعاود القول : جنيف لا نجاح ولا فشل ، والميدان العسكري هو من يحدد المسار...!! خادم الإنسانية . مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات