دعني أخبرك: لماذا تقاطع؟


يعيش المواطن الأردني هذه الأيام بين سندان الضرائب المتزايدة التي تفرضها الدولة والمترافقة مع الرواتب المحدودة وغير القابلة للزيادة من جهة، وبين مطرقة الأسعار المرتفعة والمبالغ فيها من جهة أخرى، وبين البينين يجد المواطن نفسه محاصراً في قوت يومه، ومهدداً في مستقبله ومستقبل أولاده.

لقد إشتعلت الأسعار اليوم بشكل مبالغ فيه، ولم تبقي على شيء ضمن الحدود الطبيعية، إبتداءً بأسعار الأراضي والشقق والعقارات‘ ثم أسعار المواصلات والسيارات والمحروقات، مروراً بالكهرباء والماء والإتصالات، إنتهاءً بأسعار المواد الغذائية المختلفة.

لقد كانت الصدمة شديدة علي حين حضرت الى الخليج لأجد أن أسعار الخضروات والفواكه الأردنية تتواجد بأسعار تقل عن مثيلتها في الأسواق الأردنية، ففي الوقت الذي تعدت فيه أسعار البندورة في الأسواق الأردنية ديناراً أردنياً؛ تباع هنا في الخليج بسعر لا يتعدى 75 قرشاً فقط، مع الأخذ بعين الإعتبار أجور التصدير وتكاليف النقل.

وخلال الصيف كانت أسعار البطيخ مثلاً تعاني من نفس المشكلة، حيث لم تتعدى هنا ريالاً قطرياً واحداً أو إثنين (من 20 الى 35 قرشاً)، وهناك في الأردن لم تنخفض عن أربعين قرشاً للكيلو، على الرغم من تكاليف النقل والتصدير المرتفعة نسبياً.

لقد فهمت الموضوع حين علمت بأن المنتجين يعملون على تصدير البضائع بأسعار زهيدة ولو بأقل من نصف سعرها في الأردن، من أجل تقليل الكميات المتواجدة في الأسواق الأردنية، ومع ثبات معدل الإستهلاك في الأردن ترتفع الأسعار على المواطن الأردني، وبالتالي الأرباح تتحقق من البضائع المطروحة في الأردن بأسعار مرتفعة جداً وليس من البضائع المصدرة للخارج.

أما أسعار البيض التي إرتفعت بشكل كبير؛ فهي نموذج فقط يتكلم عن شجع التجار وسطوتهم، أضف الى ذلك إرتفاع أسعار الحليب والألبان ومشتقاتها على الرغم من الإنخفاض الشديد في أسعار المشتقات النفطية وما يرافقها من إنخفاض التكاليف.

إن المقاطعة للبضائع التي يعمل منتجوها على إستغلال المواطن الأردني، ويقومون برفع أسعارها بأشكال خيالية، ما هي إلا طريقة وحيدة من أجل أن يحمي المواطن نفسه أمام هذه الهجمات المتتالية من الجشعين من التجار؛ خاصة في غياب الرقابة الحكومية ووزارة التموين وتواجد ما يسمى بالأسواق المفتوحة.

دعوني الآن أعرض لكم تجربة الشعب الأرجنتيني في المقاطعة وما تحصلوا عليه:
أقدم منتجو البيض على رفع أسعارها في الأرجنتين الى الضعف من اجل جني المزيد من الارباح، ولكن صحوة المواطن الأرجنتيني ووعيه كان له دور كبير، حيث أوقف جميع المواطنيين شراء البيض من الأسواق.

بدات كميات البيض بالتراكم في المستودعات، وضاق بها التجار، ولكنهم إعتقدوا أن المقاطعة لن تطول وسيعاود التجار شراء البيض قريباً.

هدد فساد البيض التجار مما إضطرهم الى إعادة الأسعار لما كانت عليه بعد مرور عشرة أيام على رفع الأسعار، ولكن المواطنيين إستمروا في مقاطعة شراء البيض لحين خفض الأسعار الى نصف ما كانت عليه، إضافة الى أن يقوم التجار بكتابة إعتذار رسمي للمواطنيين في الصحف الرسمية، يعتذرون فيه عن إستغلال المواطن في لقمة عيشه.

إنحنى التجار أمام الشعب المثقف الواعي، وما هي إلا أيام حتى تم نشر الإعتذار في جميع الصحف ووسائل الإعلام وإنخفضت أسعار البيض الى نصف ما كانت عليه، وخلال أسبوعين فقط؛ صنع الأرجنتينيون مجدهم ولقنوا التجار درساً لن ينسوه، وأمنوا مستقبلهم من خلال تحذير التجار بعدم رفع الأسعار.

إن غياب رقابة الدولة على أسعار المنتجات يفتح شهية التجار على تحقيق المزيد من الأرباح، وهنا يأتي دور مؤسسات المجتمع المدني الحاضرة الغائبة عن مجتمعنا وواقعنا.

وبالتالي يجد المواطن نفسه وحيداً بدون رقابة للدولة أو نشاطات حقيقية وفعالة لمؤسسات المجتمع المدني، ويأتي دور وعي المواطن وعمله على مقاطعة أية سلعة يرتفع سعرها والإنتظار لحين إعادة الأسعار الى ما كانت عليه أو أقل.

ولا بد من الإشارة الى ضرورة إستغلال وسائل التواصل الإجتماعي في توصيل رسائل المقاطعة الى مختلف فئات الشعب، حيث يساهم التواجد الكثيف للمواطنين عبر هذه الشبكات الى سهولة إيصال الرسالة وسرعة إنتشارها.

قاطع أيها المواطن من أجل جيبك الذي أنهكته الديون، قاطع من أجل راتبك الذي ما عاد يتحمل النفقات، قاطع من أجل ضمان مستقبل أولادك، قاطع من أجل تلقين التجار الجشعين درساً لا ينسوه، قاطع من أجل أن تكون محترماً امام نفسك ولا تجعل من سلوكك وإستهلاكك ضحية لمن تسول له نفسه العبث بقوتك وطعامك وخدماتك.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات