القانون الكَنسي في العصور الوسطى والميثاق الحكومي
ثمة أمر مشترك بين الميثاق الحكومي الجديد الذي أطلقته حكومة سمير الرفاعي وبين القانون الكنّسي في العصور الوسطى , يتمثل في عدم اشتراك الوزراء وطبقات النبلاء والأشراف في أعمال تجارية وصفقات مالية تعود على المؤسسات والشركات التي يملكونها بالنفع.
إن هذا البند من الميثاق يستحق الوقوف عنده طويلا لما يحمل من رسائل في ظاهرها الخير ونتمنى له ذلك, وفي باطنها كل أنواع الشرور ندعو الله أن يجنبنا إياها,فليس من الصعب يا دولة الرئيس على أي وزير إدارة أعماله وشؤون شركاته من مكتبه الوزاري , لأنه يستطيع وبكل ببساطة إدارتها بالريموت كونترول بواسطة أشخاص آخرين كما كان يجري في القانون الكنسي في العصور الوسطى.
فالقانون الكنسي في العصور الوسطى كان يتضمن نفس هذا البند من الميثاق, حيث تم تحّريم الاشتغال بالتجارة على بعض فئات الشعب من التي كانت تتمتع بمركز اجتماعي رفيع كالنبلاء والأشراف , فلجأ هولاء احتيالا إلى ما يسمى " عقد التوصية" الذي يتيح لهم بان يوظفوا أموالهم في التجارة دون أن ينكشف أمرهم, وهو ما سيسعى إليه وزرائنا المتضررين من هذا البند إن دعت الحاجة والضرورة لذلك.
فما يحصل في الأردن من هدر للأموال وفساد إداري ,ما هو إلا عبارة عن تحالف اقتصادي يستمد قوته من الشركات الاحتكارية, مقابل إطلاق يدها في نهب الثروات الوطنية والتي أخذت بالاضمحلال بعد أن نمّى هذا التحالف أجهزته البيروقراطية ومركز الثقل الاقتصادي في الوطن وجمّعه في يد فئة واحدة ,حتى باتت قوة تسونامية ليس من السهل الوقوف أمامها أو تحديها , حتى وإن حاول دولة الرئيس الجديد ذلك بكل ما أؤتي من قوة.
فالإصلاح في الأردن يزداد حدة وتعقيدا يوما إثر يوم, بسبب عدم الجدية في ذلك, ولتحوله إلى عدة متناقضات: الأولى مع الشركات الاحتكارية التي تنهب الثروات الوطنية, والثانية مع السلطة المسيطرة على عوائد الثروة الوطنية ,والثالثة مع الخطر المتنامي باستمرار والذي قد يؤدي بالأردن لا قدر الله, إلى أن يكون قضية فلسطينية جديدة مع اختلاف الخطر .
فالرفاهية الخادعة التي يحصل عليها ويعيشها غالبية أبناء الشعب الأردني ممن يتعرضون للاستغلال, لهي ولا شك باتت من اشد الملامح خصوصية للمجتمع الأردني, فاقتصاده وموارده يداران بشكل غامض , والمتابع لهذا الشأن يلحظ بان دخل الاستثمارات وعوائدها بلغت حوالي 5 مليارات دينار أردني, ومع ذلك ارتفعت المديونية إلى قرابة 11 مليار دينار, بعد أن أوصلها جلالة الملك بسعيه وتعبه وكده في أول 5 سنين من حكمه إلى 5.5 مليار دينار.
فالتحالف الحكومي مع المتنفذين في الاقتصاد أدى إلى إنشاء وتطوير مؤسسات وأجهزة حكم تكون بمثابة الدعامة الضرورية لأي حكومة, فالتضخم في هذه الأجهزة بصورة تتجاوز دورها الوظيفي يكون وفق هذا التطور قد وصل إلى أعلى مراتب المنطقية , لأنه سيؤدي إلى نتيجة ذات مغزى سياسي هام, وهي أن يصبح القسم الأكبر من المواطنين مستخدمين من قبل الحكومة.
فمن الأفكار المغلوطة عن التضخم انه يسبب الضرر للجميع وهذا ليس صحيحا , لأنه في الواقع يشكل في مرحلته الأولى دعامة نمو لأصحاب المصالح التجارية والعقارية والمالية, بحيث تشتري القوى البرجوازية قوة العمل دون قيمة السوق , فضلا عن قيمتها الحقيقية, وتقوم بتسديد تسهيلاتها الائتمانية بنقود قد انخفضت قيمتها الشرائية.
ونلاحظ بأنه في الوقت الذي يتم فيه رفع أسعار العقارات إلى درجة خيالية, يقوم التجار بتخفيض أرباح خيالية عبر رفع أسعار المخزون السلعي, وعبر المضاربات على المخزون السلعي, وهذا احد العناصر الجوهرية لنظام احتكار القلة الذي يؤدي إلى رفع التكاليف عبر السيطرة على السوق, والانفراد بتوفير سلع أساسية والتنافس في نشاطات سوقية, وهولاء في الغالب هم من كبار المسئولين, ويحتجبون عن العين المجردة خلف ستار الدولة.
ولتسمح لي الحكومة بالقول بان ميثاقها لا يتعدى كونه إعادة تغليف السلع نفسها بشكل جديد قد يجعلها تبدو مقبولة ومستساغة, فالاقتصاد الأردني في الواقع أشبه بوجود الأيتام على موائد اللئام , فخلال تاريخ الأردن لم نجد حكومة واحدة خاضت صراعا طويلا لتخفيض المديونية , فكل واحدة منها تسعى أن تأتي بجديد قبل أن " انفضاض المولد".
فلا يعقل يا دولة الرئيس أن تكون القيمة الحقيقية لمشروع ما في الحكومة "100" ألف دينار حسب سعر السوق, ويمنح بموجب العطاءات بـــ " 600 ألف دينار", فأي ميثاق يُصلح هذا الفساد.
وعليه فإننا إذ نتمنى للحكومة الجديدة بأن يأتي جديدها خدمة للوطن والمواطن , سنبقى نتابع بأنفاس مبهورة وأعين محملقة, كيف سيتم تحقيق مثل هذه الأعجوبة الثامنة التي لم يُسمع بمثلها عبر تاريخ الحكومات الأردنية, فالشريف لا يحتاج إلى ميثاق شرف ؟.
وقفة للتأمل "إن تصل متأخرا أفضل من أن لا تصل أبدا".
Quraan1964@yahoo.com
* عضو اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين
ثمة أمر مشترك بين الميثاق الحكومي الجديد الذي أطلقته حكومة سمير الرفاعي وبين القانون الكنّسي في العصور الوسطى , يتمثل في عدم اشتراك الوزراء وطبقات النبلاء والأشراف في أعمال تجارية وصفقات مالية تعود على المؤسسات والشركات التي يملكونها بالنفع.
إن هذا البند من الميثاق يستحق الوقوف عنده طويلا لما يحمل من رسائل في ظاهرها الخير ونتمنى له ذلك, وفي باطنها كل أنواع الشرور ندعو الله أن يجنبنا إياها,فليس من الصعب يا دولة الرئيس على أي وزير إدارة أعماله وشؤون شركاته من مكتبه الوزاري , لأنه يستطيع وبكل ببساطة إدارتها بالريموت كونترول بواسطة أشخاص آخرين كما كان يجري في القانون الكنسي في العصور الوسطى.
فالقانون الكنسي في العصور الوسطى كان يتضمن نفس هذا البند من الميثاق, حيث تم تحّريم الاشتغال بالتجارة على بعض فئات الشعب من التي كانت تتمتع بمركز اجتماعي رفيع كالنبلاء والأشراف , فلجأ هولاء احتيالا إلى ما يسمى " عقد التوصية" الذي يتيح لهم بان يوظفوا أموالهم في التجارة دون أن ينكشف أمرهم, وهو ما سيسعى إليه وزرائنا المتضررين من هذا البند إن دعت الحاجة والضرورة لذلك.
فما يحصل في الأردن من هدر للأموال وفساد إداري ,ما هو إلا عبارة عن تحالف اقتصادي يستمد قوته من الشركات الاحتكارية, مقابل إطلاق يدها في نهب الثروات الوطنية والتي أخذت بالاضمحلال بعد أن نمّى هذا التحالف أجهزته البيروقراطية ومركز الثقل الاقتصادي في الوطن وجمّعه في يد فئة واحدة ,حتى باتت قوة تسونامية ليس من السهل الوقوف أمامها أو تحديها , حتى وإن حاول دولة الرئيس الجديد ذلك بكل ما أؤتي من قوة.
فالإصلاح في الأردن يزداد حدة وتعقيدا يوما إثر يوم, بسبب عدم الجدية في ذلك, ولتحوله إلى عدة متناقضات: الأولى مع الشركات الاحتكارية التي تنهب الثروات الوطنية, والثانية مع السلطة المسيطرة على عوائد الثروة الوطنية ,والثالثة مع الخطر المتنامي باستمرار والذي قد يؤدي بالأردن لا قدر الله, إلى أن يكون قضية فلسطينية جديدة مع اختلاف الخطر .
فالرفاهية الخادعة التي يحصل عليها ويعيشها غالبية أبناء الشعب الأردني ممن يتعرضون للاستغلال, لهي ولا شك باتت من اشد الملامح خصوصية للمجتمع الأردني, فاقتصاده وموارده يداران بشكل غامض , والمتابع لهذا الشأن يلحظ بان دخل الاستثمارات وعوائدها بلغت حوالي 5 مليارات دينار أردني, ومع ذلك ارتفعت المديونية إلى قرابة 11 مليار دينار, بعد أن أوصلها جلالة الملك بسعيه وتعبه وكده في أول 5 سنين من حكمه إلى 5.5 مليار دينار.
فالتحالف الحكومي مع المتنفذين في الاقتصاد أدى إلى إنشاء وتطوير مؤسسات وأجهزة حكم تكون بمثابة الدعامة الضرورية لأي حكومة, فالتضخم في هذه الأجهزة بصورة تتجاوز دورها الوظيفي يكون وفق هذا التطور قد وصل إلى أعلى مراتب المنطقية , لأنه سيؤدي إلى نتيجة ذات مغزى سياسي هام, وهي أن يصبح القسم الأكبر من المواطنين مستخدمين من قبل الحكومة.
فمن الأفكار المغلوطة عن التضخم انه يسبب الضرر للجميع وهذا ليس صحيحا , لأنه في الواقع يشكل في مرحلته الأولى دعامة نمو لأصحاب المصالح التجارية والعقارية والمالية, بحيث تشتري القوى البرجوازية قوة العمل دون قيمة السوق , فضلا عن قيمتها الحقيقية, وتقوم بتسديد تسهيلاتها الائتمانية بنقود قد انخفضت قيمتها الشرائية.
ونلاحظ بأنه في الوقت الذي يتم فيه رفع أسعار العقارات إلى درجة خيالية, يقوم التجار بتخفيض أرباح خيالية عبر رفع أسعار المخزون السلعي, وعبر المضاربات على المخزون السلعي, وهذا احد العناصر الجوهرية لنظام احتكار القلة الذي يؤدي إلى رفع التكاليف عبر السيطرة على السوق, والانفراد بتوفير سلع أساسية والتنافس في نشاطات سوقية, وهولاء في الغالب هم من كبار المسئولين, ويحتجبون عن العين المجردة خلف ستار الدولة.
ولتسمح لي الحكومة بالقول بان ميثاقها لا يتعدى كونه إعادة تغليف السلع نفسها بشكل جديد قد يجعلها تبدو مقبولة ومستساغة, فالاقتصاد الأردني في الواقع أشبه بوجود الأيتام على موائد اللئام , فخلال تاريخ الأردن لم نجد حكومة واحدة خاضت صراعا طويلا لتخفيض المديونية , فكل واحدة منها تسعى أن تأتي بجديد قبل أن " انفضاض المولد".
فلا يعقل يا دولة الرئيس أن تكون القيمة الحقيقية لمشروع ما في الحكومة "100" ألف دينار حسب سعر السوق, ويمنح بموجب العطاءات بـــ " 600 ألف دينار", فأي ميثاق يُصلح هذا الفساد.
وعليه فإننا إذ نتمنى للحكومة الجديدة بأن يأتي جديدها خدمة للوطن والمواطن , سنبقى نتابع بأنفاس مبهورة وأعين محملقة, كيف سيتم تحقيق مثل هذه الأعجوبة الثامنة التي لم يُسمع بمثلها عبر تاريخ الحكومات الأردنية, فالشريف لا يحتاج إلى ميثاق شرف ؟.
وقفة للتأمل "إن تصل متأخرا أفضل من أن لا تصل أبدا".
Quraan1964@yahoo.com
* عضو اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين
تعليقات القراء
اخي احمد القرعان انت كاتب كبير وسوف تكبر اكثرتكبر بحجم الوطن الكبير وبحجم اهله الطيبين
أكتب تعليقا
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه. - يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع |
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |
طبعا بالنسبة للوزراء والمسؤولين نتمنى ان يكون عندهم حس بالامانة والانتماء لمسيرة الاصلاح والتقدم في هذا البلد لان الاصلاح لا يبدأ بالمؤسسات والوزارات بل ينتهي هنالك .. الاصلاح الحقيقي يبدأ داخل عقولنا كأفراد .. بالتوفيق انشاء الله ومرة اخرى شكرا للكاتب على المقال الموضوعي ..