الحب في زمن آخر ..


كتب - ايهاب سلامة - كان العمر ذا زمن أحلى، وأنقى، وأشهى ..

كنا نتواعد خلسة، في متنزه اللويبدة.. أتذكريه ؟

كنا نتمشى، وتتمشي أمامنا قلوبنا، والأصابع التي تحاول لمس الأصابع .. تتحول إلى عشر جمرات، عشرة أصابع ديناميتية، تكاد تتفجر في أية لحظة، لوعة وولهاً واشتياقاً ..

كانت النظرة تستغرق ثانيتين إلى ثلاث ..فقط، أكثر من ذلك تصبح أنفاسك اللاهثة مهددة بالتوقف.. والرمش الذي تهواه يطرحك أرضاً بالنظرة القاضية .

كان السكوت، لغة اللقاء، والخجل يرتسم على الوجنتين كوردتين جوريتين.. وارتعاش الشفاه، رسالة تقدر قراءتها، ولا تقدر أن تطالها !

كانت المسافة من متنزه اللويبدة إلى "دوار باريس" تعدو فيها أمامنا خيول برية .. ترفرف حولنا فراشات ملونة، تغني لنا عصافير عششت في أشجار "التراسنطة": "واحشني وانته قصاد عيني" !.

كنت أسرق خلسة من حدائق منازل شارع "أحمد شوقي"، وردة مدت ساقها نحو أصابعي، لتتخذ من بين طيات أوراق كتب حبيبتي لاحقاً وطناً، وآخر المآلات والعناوين..

كل بائعي المتاجر العجائز على جنبات الطريق كانوا يعرفوننا، ويخبؤون ابتسامتهم، ويحفظون وجوه كل العاشقين الذين لوعهم الحنين ..

كل أشجار الياسمين التي تزين حدائق البيوت العريقة هناك، كانت تستقبلنا بعبيرها، وتنثر براعم زهراتها البيضاء فوق دروبنا، وتتسابق لأصابعنا المرتعشة مرحبة بقطافها.. علها تشم حينما تدنو ثغرها، أنفاس حبيبتي ..

كانت كما طاووس تختال قربي .. كسمو أميرة.. وأي أميرة، رامية شلالات شعرها الأسود الطويل الطويل على أكتافها، وعلى أحزاني وهذياني، فتشعل كريات دمي، تبعثر خفقات قلبي، خفقة خفقة، أمام قامتها الخرافية المستحيلة ..

كانت ترسم كحلها الذي تبتاعه من "الحن" حول عينيها بطريقة لعينة، وتذبِّل به أهدابها التي تشبه أوتار كمان ..

كانت تضحك حين أمازحها، فالمح أسنانها لحظتها .. المح سريعا لسانها ..أحاول أن أحفظ شكله ولونه ورائحته، فهو الذي يدوزن كلماتها التي يهواها قلبي.. قبلما تشدو به الشفتان اللتان أعلنتا الحرب على أعصابي..

كان قرطها طويلاً طويلا.. يحاول جاهداً لمس أكتافها.. متمايلاً مع إيماءات رأسها ذات اليمين وذات الشمال، كسكير عربيد مترنح .. دوخه العنق الطويل الماثل أمامه صبح مساء، فذاب عشقاً حتى أفقده وعيه ..

كانت وكنا ..عاشقين حالمين بريئين ، يبحث احدهما عن الأمان والحنان قرب الآخر ..

وحين قالت لي احبك..

حين اعترفت أول مرة ..

اهتزت الأرض تحتي على مقياس مليون ريختر ..

عاصفة استوائية محملة برذاذ أمطار الغابات ..اجتاحت قلبي..

وأريد أن اسمعها مرة ثانية !

إنها الظنون اللعينة فاعذريني ..

احبك ..

أربعة حروف، تغيّر معادلات العمر وتفاصيله ، تعيد رسم خارطة جينات القلب، ترجعك إلى دائرة الأحوال المدنية، لتسجل مجدداً، شهادة ميلادك .

احبك ..

حين تسمع صوت ارتجاف أصابعك، ارتعاش شفتيك، ويعلن ماراثون النبضات ثورة جنونية في قلبك ..

حين تقضي لياليك متوجساً .. ونهارات عمرك مترقباً.. وكرنفالات الأشواق تبث أثيرها مع كل طرفة عين لم تر بعد.. طلة من نهوى.

أنا .. لست من (هذا الزمان) يا صغيرتي فاعذريني !

حيث تبدأ علاقات حب الكترونية بـ"بوست"، في تمام الساعة العاشرة صباحاً، وتنتهي بـ"بوست" اخر بعد ساعة ..

وتبحث لاحقاً عمن ظن قلبك أنه يهواك وتهواه، ليرد عليك "مارك" برسالة : نعتذر .. الصفحة التي تبحث عنها، لم تعد موجودة أبدا ..!



إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات