زكام آخر السنة


صداع شديد , دوار في الرأس , محاولات لوقف سائل ينهمر من الأنف بلا استئذان , ابتلاع حبوب لا تنفع مع داء استعصى على الاطباء معالجته , ارهاق شديد يثني عن العمل البسيط , خوف من نقل العدوى للآخرين , الذين يتحاشون الاقتراب أو تبادل الحديث , عجز في تجميع الصورة التي تعرضها القناة الاخبارية في التلفاز , لدمار شامل في مدن كانت تعج بالناس يوما ما , يغدون ويروحون في اسواقها , يعبدون الله بسكينة واطمئنان نفس , يضحكون ويمرحون , يزرعون في انفسهم ونفوس ابنائهم الثقة في المستقبل , يحبّون أكثر مما يكرهون , يدعون الله ليلا ونهارا أن لا يريهم يوما أسودا , وأن تبقي ديارهم عامرة بالمودة والوئام , وأن لا يدخل عليهم غريب يحسدهم على ما هم فيه , فتقع عليهم لعنة الأيام .

يزداد الزكام تدخلا في اجزاء الجسم القريبة والبعيدة عن الأنف , ويعلن أن لا مناص من أن يدخل التعب الى كلّ خلايا الاعضاء التي تحسب أنّها بعيدة عن المرض , ولا تنفع الأغطية الثقيلة في ابعاد شبح الصورة القاتمة لتفجير سيّارة مفخخة , حصل للتو في بلد بعيد عن موقع الصراع الدائر في الدولة التي يسعى بعض ابناءها لتغيير نهج حكم يعتبرونه مستبدا , الى آخر لن يكون بحال من الاحوال افضل من سابقة , وتتناثر الاشلاء في مكان الانفجار , والدماء تغطّي كلّ تفاصيل الصورة التي تزداد قتامة , وينقل مراسل الأخبار تصريحا لمسؤول كبير , بانّ بلده التي فيها حصل الانفجار , ستظلّ تتدخل في شؤون الدولة المدمّرة بأيدي ابناءها والاغراب .

تغرورق العين وتدمع , ليس فقط من الزكام الشديد الذي يرغم قطرات الدمع على النزول منها , ولكن ايضا , من الصورة الحزينة لأطفال في مخيّم للّاجئين يلاحقون سيّارة , علّهم يحصلون ممّا فيها من مؤن وحاجيات تسكت بعض جوعهم و وتدفئ جزء من اجسامهم التي طالها البرد , وهم اللذين فرّوا من بيوت فيها كانوا يسكنون مع آباءهم وامهاتهم , كانت تمنع عنهم حرّ الصيف وبرد الشتاء , الى مخيّمات اللجوء التي فيها خيم باردة حقيرة , لا تنفع في درء البرد عن اجسامهم الصغيرة , التي يبدو انها ستبقى سنين عديدة تبحث عن الدفء ولا تجده , لتبحث عنه وتستجديه في الدول البعيدة .

يزداد الزكام تأثيرا في الجسم , احساس بعدم نفع الأغطية ولا الأدوية , محاولة للنهوض وتحريك الجسم الذي اصابه الخمول تبوء بالفشل , تفضيل النوم هربا من الواقع ,الذي لا يفسده الاّ صوت يعلو بأمنية من شخص يقف في الصورة أمام أنقاض بيوت وشوارع مهدّمة , يتمنّى , بتفاؤل يخفي خلفه غصّة في الحلق وحنق في النفس , ويقول عام جديد سعيد .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات