يا ليتني كنت صاحب القبر


بسم الله الرحمن الرحيم

بتصرف من كتاب "الفوائد" لإبن قيم الجوزية

من فقد أُنسَه بالله بين الناس ووجده في الوحدة فهو صادق ضعيف، ومن وجده بين الناس وفقده في الخلوة فهو معلول، ومن فقده بين الناس وفي الخلوة فهو ميت مطرود ومن وجده في الخلوة وفي الناس فهو المحب الصادق القوي.

ومن كان فتحه في الخلوة لم يكن مزيده إلا منها، ومن كان فتحه بين الناس ونصحهم وإرشادهم كان مزيده معهم، ومن كان فتحه في وقوفه مع مراد الله حيث اقامه وفي أي شيء استعمله، كان مزيده في خلوته ومع الناس، وأشرف الأحوال أن لا تختار لنفسك حالةً سوى ما يختاره لك ويقيمك فيه، فكن مع مراده منك ولا تكن مع مرادك منه.

لقد سبق العلم بنبوة موسى وإيمان آسيه، فسيقَ تابوته إلى بيتها، فجاء طفلٌ منفرد عن أم إلى إمرأة خالية عن ولد، فلله كم في القصة من عبرة، كم ذبح فرعون في طلب موسى من ولد؟! ولسان القدر يقول "لا نربيه إلا في حِجرك".

وقول ابن قيم الجوزية هذا على لسان القدر " لا نربيه إلا في حجرك" قد يجعلنا نلتمس العذر للشاعر الصوفي "علي وفا" في قصيدته على لسان الذات الإلهية يقول في بعضها:

أطعْ أمرنا نرفعْ لأجلك حُجبنا .. فإنا منحنا الرضا من احبنا.
ولو شاهدتْ عيناك من حُسننا .. الذي رأوه لما ولّيت لغيرنا.
ولو لاح من انوارنا لك لائحٌ .. تركتَ جميع الكائنات لأجلنا.
ولو نسمتْ من قربنا لك نسمةٌ .. لمُتَّ غراماً واشتياقاً لقربنا.
ولو ذقتَ من طعم المحبةٍ ذرةً .. عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنا.

ولقد كان "ذو البجادين" يتيما في الصغر فكفله عمه، فنازعته نفسه إلى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فهمّ بالنهوض فإذا بقية المرض مانعةٌ فقعد ينتظر العم، فلما تكاملت صحته ناداه ضمير الوجد فقال:" يا عم طال انتظاري لإسلامك وما ارى منك نشاطاً"، فقال له العم متوعداً :" والله لإن اسلمت لأنزعنّ ما اعطيتك" فقال في نفسه "نظرة من محمد صلى الله عليه وسلم أحب إليّ من الدنيا وما فيها".

فلما تجرّد للسير إلى الرسول صلى الله عليه وسلم جرّده عمه من الثياب، فناولته أمه بجاداً قطعه نصفين اتزر بأحدهما وارتدى الآخر ولذلك سمّي ذو البجادين.

فلما نادى صائح الجهاد هبَّ ليكون في ساقة الأحباب والمحب لا ينظر إلى طول الطريق أو صعوبتها لأن عينه على المقصود.

فلمّا قضى نحبه نزل الرسول صلى الله عليه وسلم يمهّد له لحده وهو يقول "اللهم إني امسيت عنه راضياً فأرضَ عنه"، وكان عبدالله بن مسعود حاضراً فقال :"يا ليتني كنت صاحب القبر".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات