حديث الضفتين !


ممثلون عن أربعين دولة تقع على ضفتي البحر الأبيض المتوسط ، يلتقون في روما للبحث في أهم القضايا التي تشغل بال أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط ، والمؤتمر الذي نظمته وزارة الخارجية الايطالية بالتعاون مع معهد السياسات الدولية ، انعقد في ظروف بالغة الدقة ، حيث يتزايد صب الزيت على النار المشتعلة في منطقتنا ، وخاصة في العراق وسوريا ، حتى يأس الناس من جدوى أي حوار مهما كان هدفه أو طبيعته .

الحديث بين ضفتي المتوسط ذو شجون وشؤون كثيرة ، ويشهد التاريخ أن رياح أوروبا قد عصفت بنا مرارا وتكرارا ، حتى تشكلت لغتان ، قلما اتفقتا على معاني مشتركة حول القيم الإنسانية ، والعدالة وتوازن العلاقات والمصالح المتبادلة ، فقد فهمت أوروبا أن جيرتها للشرق الأوسط قدر لا مناص منه ، وأنها في أسوأ الأحوال قادرة على درء مخاطره عنها ، من دون تعاون أو تنسيق !

لقد تبدل الحال كثيرا الآن ، فمنذ بداية ما يعرف بالحوار العربي الأوروبي الذي فتحته الجامعة العربية خلال حقبة وجودها في تونس ، تطورت مفاهيم الحوار من مجرد البحث عن صيغ للتفاهم ، إلى السعي للتعاون في جميع المجالات على قدر معقول من المساواة ، ولا أقول الندية .

أوروبا ليست على قلب رجل واحد كما نظن ، وليست مصالح دولها متفقة تماما في جميع الأحوال ، ولكن مع وصول الإرهاب إلى بعض دولها ، بدأت تتشكل رؤية مشتركة لمفهوم الأمن والتعاون المتوسطي ، أي ما يجمع أوروبا ودول الشرق الأوسط لمواجهة خطر الإرهاب الذي لا دين له ولا جنسية ، والذي يضرب دون تفريق أينما وجد الفرصة مواتية للتعبير عن رغبته في القتل والتخريب ، وهو ما يضع الأطراف الأخرى أمام التحدي لمواجهته والقضاء عليه .

إذن هنالك عدو مشترك هو الإرهاب ، وهناك جبهة مناهضة يجب أن تتوحد لكي تقدر عليه ، وتجتثه من جذوره ، وتعالج الضرر الذي أوقعه على المستويات العسكرية والأمنية والفكرية .

هذه النظرة لما هو مشترك بيننا وبين أوروبا في التصدي للإرهاب المرتبط بأزمات المنطقة ، والتي تفاعلت إلى هذا الحد من الخطورة لأسباب كثيرة ، هي التي أرى أنها شكلت ميزان الخطاب الذي ألقاه جلالة الملك عبدالله الثاني أمام ذلك المؤتمر ، والذي ذكر بالقيم المشتركة التي تنادي بالسلام والاستقرار والمصالح المتبادلة ، والتي يمكن أن تكون أساسا للشراكة التي دعا إليها جلالة الملك ، تلك الشراكة القائمة على القناعة بـأن الأضرار التي تصيب دولة أو أكثر في هذا الفضاء الجغرافي ، قد تصيب الجميع .

لقد كان تسلسل الخطاب منهجيا ، كي يصل إلى نقطة مفادها أن الدول الأوروبية يجب أن تكون في طليعة تحالف دولي ، لحل المشكلات التي تعد حافزا أو جاذبا للتطرف والإرهاب ، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ، ذلك أن ترك هذه القضية دون حل يحقق الأمن والسلام لجميع الأطراف هو الذي يخلق حالة من عدم الثقة بالعدالة الدولية .

وللعدالة أوجه كثيرة ، من بينها كذلك مساعدة الدول الغنية للدول الفقيرة كي تتمكن من تحقيق التنمية ، وإيجاد فرص العمل للشباب ، وحل أزمات اللجوء واللاجئين ، قبل أن يجرهم اليأس ، فيغرقوا في مياه المتوسط بالمعنيين الحقيقي والمجازي .

أقول وأنا على يقين أن خطاب جلالة الملك لخص حديث الضفتين ، وأن الآذان كانت صاغية كما لم تصغ من قبل !



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات