ويسألونك عن الجدران العازلة؟!


قبل ان تقام الجدران العازلة في الارض وعلى الحدود ، تكون - في الغالب - قد اكتملت وارتفعت داخل العقول والقلوب ، فالمباني هنا تعبر عن المعاني ، كما ان اقامة العوازل تخفي ما يعتمل في النفوس من شكوك ومخاوف.. وربما كراهية ايضا.

قصص الجدران العازلة ليست جديدة على عالمنا ، واذا كان سور «أدريان» الذي بنته الامبراطورية الرومانية لحمايتها من هجمات البرابرة ، وسور الصين الذي بني في القرن الثالث قبل الميلاد ، شاهدين من الماضي البعيد على «الخوف» الذي تغلغل داخل الامبرطوريات الكبرى من جيرانها «البرابرة» ، فان واقعنا المعاصر ما زال يحتشد بصور من «العوازل» المتناسلة التي تريد في اوج عصور ثورة الاتصال والعولمة والقرية الكونية الواحدة.. أن تفصل الانسان عن أخيه الانسان.

في عام م2002 ، بدأت اسرائيل ببناء جدار عازل طوله (650)كم على امتداد الخط الاخضر ، لمنع الفلسطينيين من الدخول اليها ، وفي عام 1974 اقيمت منطقة عازلة بين شطري قبرص اليوناني والتركي وما تزال قائمة حتى الان ، ومنذ مطلع السبعينيات اقيم جدار في ايرلندا الشمالية للفصل بين الكاثوليك والبروتستانت ، وقبل نحو شهر احتفى العالم بمرور عشرين عاما على سقوط «الجدار» الحديدي الذي اقيم بين المانيا الديمقراطية والمانيا الاتحادية وقسّم برلين الى جزئين.. وثمة جدران عازلة ما تزال قائمة على حدود امريكا والمكسيك لمنع الهجرة غير الشرعية والمخدرات ، اما عالمنا العربي الذي لم يتحرر بعد من «لعنة» سايكس بيكو فقصص الجدران العازلة فيه تثير الأسى والأسف والحرج،

فكرة «العزل» اذن لم تودع في مخازن «التاريخ» ، كما افترض منظرو «العولمة» ودعاة الأنسنة وسقوط أهم «جدرانها» لم يقنع عالمنا بأن صلاحيتها قد نتهت فعلا ، او بأن الفضاء الفسيح التي تنتشر فيه ذبذبات الاصوات والصور والرموز بلمح البرق لم يعد يحتمل مثل هذه الحواجز او يعترف بها اصلا ، لكن يبدو ان «لخيباتنا» منطق آخر اعوج ، فلغة المقاطعة والمحاصرة التي سقط نموذجها الاول في «شعب» ابي طالب ما تزال تطارد أذهان الكثيرين في عالمنا البائس.

من المفارقات المخجلة انه مع مرور الذكرى الاولى للحرب الاسرائيلية على غزة ، وبما ولدته من كوارث وشهداء بالآلاف وصار ما زال مستمراً حتى الآن ، نسمع - الآن - ان ثمة جداراً فولاذياً عازلاً يجري بناؤه على الحدود المصرية مع غزة احدى الصحف المصرية أسمته «جدار رفح العظيم» ، والتفاصيل هنا - رغم النفي الرسمي المصري - موجودة في العديد من الصحف المصرية ، لكن السؤال: هل نحتاج فعلا الى جدران عازلة جديدة؟ وهل أصبح العربي مصدر تهديد لأخيه العربي الى هذه الدرجة؟ ثم هل «العزل» هو الحل.. ولمصلحة من ايضاً؟ البقية ص46

 

أريد ان اتجاوز «الارضيات» السياسية التي خرجت منها فكرة «العزل» ومفاهيم الحصار والاقصاء والحذف ، وأتوقف امام «التربة» الانسانية التي يمكن ان يخرج منها مثلث هذه الاشواك والاحساك ، لا في عالمنا العربي وحده وانما في عموم «الانسانية» ، لأقول بأننا أهدرنا - وما نزال - فرصاً ثمينة لتجريب مبادىء الحوار والتفاهم ومنطق «الفضل» بيننا وتهديم كل الحواجز التي ترفع اسوار الكراهية حولنا ، وأننا استغرقنا في استخدام كل الحلول التي قامت على فكرة «العزل» والفصل ، وربما القتل ، ومع انه ثبت فشلها الا اننا ما نزال نعتمدها وباصرار.. فهل آن الآوان لشعوب هذه الارض المحاصرة بلا سبب ، والمحرومة بلا حق ، ان تخرج من السجون التي اودعت فيها بالاكراه ، وأي مستقبل يرجوه «السجانون» لابنائهم واحفادهم وقيود ضحاياهم ما تزال تحبس الانفاس وتراكم الاحقاد والضغائن في الصدور.

يسألونك عن الجدران العازلة قل: هي احدى صور «العار» التي تطارد انسانيتنا المغلوب على أمرها وحريتها يصبح لحراس «سور برلين». احفاداً آخرين ينفضون عن حراستها ويعودون الى بيوتهم سالمين.

 


التاريخ : 15-12-
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات