تصفية حسابات أم محاربة الإرهاب ؟


تميزت سوريا باهتمام الوطنيين العرب منذ بداية كفاحها للتخلص من الوجود الاستعماري الفرنسي ، و رفضها للسيطرة الأجنبية . و تحولت طاقات شعبها بعد التصفية الأجنبية على أرضها لبناء دولتها المستقلة ، و التحول إلى رفع شعار الوحدة العربية .
و في هذا السياق وقعت سوريا في وسط التيارات المتعارضة في المنطقة و أصبحت مرآه تعكس المصالح المتنافسة على المستوى الدولي مما جعلها في موقع الأهمية ، و جديرة بعناية خاصة من الدول الأخرى ، و أن من يعمل على الهيمنة على المنطقة العربية ، لا بد أن يفكر في السيطرة على سوريا . و إن الأسباب من وراء ذلك عديدة ، أحدها الموقع الاستراتيجي ، و إشرافها على الطريق البري ما بين العراق و البحر الأبيض المتوسط ، و على شمال الجزيرة العربية ، و الحدود الشمالية للوطن العربي .
و ظلت سوريا منذ استقلالها ، ترفع شعار الوحدة العربية ، فأصبحت رأس الحركة القومية العربية ، و منبعاً للأفكار السياسية التقدمية ، و مهوى أفئدة العرب الأحرار الذين يحلمون بأحلام وطنية و قومية لا تحصى . و إن جزءً كبيراً من تراث الحركة القومية العربية يقع على عاتق من يحكمها .
و تمتعت سوريا خلال الصراع من أجل النفوذ الذي تمثل في تصميم مصر و السعودية و تطلعهم إلى ضم سوريا إلى محورهم ، و طموح الهاشميين و توقهم إلى ضمها لدولتهم الموعودة . فبإسم الوحدة العربية سعت هذه الأطراف للتقرب من سوريا ، حيث لا يزال هذا التنازع على سوريا قائماً و إن أخذ ابعاداً خطيرة أدت إلى وقوع جميع دول المنطقة في المأزق الخطير الذي تعيشه اليوم . و كما هي مركز المنافسات بين الدول العربية ، فهي أيضاً المحور الذي تدور حوله أكثر التحركات الدولية .
فليس ما نراه اليوم في سوريا إلا عملية صراع مستمرة عليها و لكن بأسلوب و أدوات جديدة . فالصراع اليوم تقوده و تحركه قوى كبرى دولية ليس للعرب دور فيه إلا تنفيذ ما تطلبه الدول الكبرى منهم و هو التمويل و تسجيل المواقف المساعدة لإنجاح استراتيجياتها الهادفة للسيطرة على سوريا ثم على المنطقة العربية و الإستئثار بمخزونها النفطي ، و أسواقها الواسعة .
لقد استغرقت الأزمة وقتاً زاد عن الاربع سنوات ، و أخذت أبعاداً عديدة ، و وصلت إلى نهاية معقدة ، و دخلت بنفق مظلم لا يمكن الخروج منه إلا بالحسم العسكري . ولا تشير الحوارات و الاجتماعات بين الأطراف العديدة التي أصبحت جزءً من المشكلة إلى إقتراب هذه الأطراف من الوصول إلى تفاهم إلى الحدود الدنيا على الحل . و يبدو أن النشاط الدبلوماسي لها قد وصل إلى حوار الأضداد . فالولايات المتحدة الأمريكية تتحدث عن الحل السياسي للأزمة و لكنها تمارس العكس ، فتقوم بإرسال جنودها و ضباطها في محاولة ليكون لها موقع على الأرض من خلال سعيها لتشكيل ما يُسمى ( جيش سوريا الديمقراطي ) ؟. بالإضافة إلى إمدادها لما تسميه " المعارضة المسلحة المعتدلة " بالأسلحة و التمويل ! أما حلفاؤها الذين يشكلون صدى لما تصرح به ، فليسوا إلا أدوات هامشية ، مهمتهم التصعيد بالتصريحات الحمقى التي تدل على عقم في الأداء السياسي ، و ضحالة في الممارسة الدبلوماسية . و تبين من خلال متابعة و مراقبة سياسة الغرب أن الهدف من تدخلهم ليس حرب داعش و الارهاب ، و إنما تنفيذ مخطط يسعى لغزو سوريا و السيطرة عليها و إسقاط نظامها ، و هذا ما لفت انتباه روسيا الاتحادية التي سارعت للتدخل العسكري و إرسال قواتها الجوية و شبكات صواريخها للدفاع عن حليفتها في المنطقة . فأحبطت بهذا التدخل ما كان المحور المعادي يخطط لتنفيذه .
و لم يكن الوجود الروسي وجوداً طارئاً في سوريا التي ترتبط مع الاتحاد السوفياتي سابقاً ، و روسيا الاتحادية لاحقاً بعلاقات تفوق علاقات سوريا بالدول العربية . و ظلت سوريا وفيّة لهذه العلاقات و حريصة على تطويرها و توسيعها . فمن هنا جاء الموقف الروسي الأخير لحماية سوريا و الحفاظ على استقلالها و وحدة أراضيها و سيادتها .
جاءت ردود الفعل من القوى و الأنظمة المعادية لسوريا على الموقف الروسي بالاعتداء على الطائرة الروسية المدنية و تفجيرها فوق سيناء أثناء مغادرتها الأراضي المصرية ، و التي راح ضحيتها ما يزيد عن المائتي مواطن روسي ، كما قامت تركيا بإسقاط طائرة السوخوي فوق الأراضي السورية مما أدى إلى استشهاد أحد طياريها ، و انقاذ الطيار الأخر على الأيدي الكوماندوز السوريين . كان الهدف من هذه الأعمال العدوانية محاولة لخلق ردة فعل روسية تؤدي إلى سحب قواتها من سوريا ، و لكن العكس حدث ، فقد أعلنت القيادة الروسية تمسكها بالتدخل و الدفاع عن سوريا ، و عززت قواتها بإرسال شبكات الصواريخ ال إس 400 التي تغطي السماء السوري و تحصنه من أي اختراق خارجي . كما كثفت من طلعاتها ووصلت إلى الحدود مع تركيا ضاربة معظم القواعد و الإمدادات الآتية من تركيا للمنظمات الارهابية .
إن الإجراءات و العمليات المتسارعة و المتصاعدة نوعياً في الميدان ، و الانتصارات المتلاحقة للجيش العربي السوري ، أجبر الغرب أن يدعو إلى بناء محور واسع تدخله الأطراف الداعمة لسوريا لمقاتلة داعش و المنظمات الارهابية. و بدأ يعترف بدور الجيش العربي السوري المحوري و الرئيسي في الحرب على داعش و الارهاب ، و يقُّر بضرورة التنسيق معه في المواجهات المستمرة .
أما تركيا فقد بدأت مروحة الاجراءات العقابية الروسية تتصاعد و تتسع و سيعود ذلك على علاقاتها العامة بالضرر و الخسران ، و إلى تقليص دورها السياسي .
أعلنت روسيا في آخر مؤتمر صحافي جمع الرئيس الروسي و الرئيس الفرنسي في موسكو ، على لسان قائدها بوتين عن موقفها الثابت من سوريا و تمسكها بالرئيس السوري ، و عن ثقتها بقدرة الجيش العربي السوري على محاربة و هزيمة الارهاب ، و طالب بوتين الدول الغربية أن تكون صادقة في محاربة الارهاب ، أو أنه سيرتد عليها كما حدث في باريس .
و هكذا ، يمكن اختصار المشهد المتمثل في الصراع على الأرض السورية بأن معركة واسعة مصيرية ستقرر مستقبل المنطقة و العرب إلى عقود قادمة ، تدور بين محور يدعو للدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها ، و محور أخر يسعى لاستغلال الأزمة الراهنة و يسخر بعض الأطراف الداخلية و العربية لتحقيق أهدافه .
و إن التدخل الامريكي في الشأن السوري بهذا الأسلوب العدواني الفج ، سيؤدي إلى ترسيخ الوجود الروسي كحامي أمين لسوريا في تصديها لعدوان الغرب كما كان دور روسيا داعماً و نصيراً لقضايا العرب و في مقدمتها قضية فلسطين .






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات