هل تصبح دير الزور «وزيرستان» جديدة؟


ما كان للطائرات الأمريكية العامودية أن تخترق أجواء سوريا وتنزل مجموعة قتالية على أرضها وتمطر المكان بوابل من الصواريخ التي أودت بحياة ثمانية سوريين وجرحت ضعفهم ، من دون أن يكون "الأمر السياسي" قد صدر بذلك ، وعن "غرفة العمليات" في البيت الأبيض تحديدا ، فنحن لسنا أمام تطور ميداني يقرره جنرال ، ولا نحن بصدد عملية يحسم بشأنها ضابط في لحظة مطاردة لمجموعة إرهابية مجردة عن أي مغزى سياسي ، بل نحن أمام عملية سياسية بامتياز.

والحقيقة أن المرء يحار في فهم توقيت ودلالة عملية من هذا النوع ، فهي من جهة تأتي في ذروة انفتاح غربي (أوروبي أساسا) على دمشق ، وهو الانفتاح الذي مهد للقاءات أجرتها رايس وولش مع وليد المعلم في نيويورك قبل أسابيع قليلة وإن كانت واشنطن ليست متحمسة له ، وهي من جهة ثانية تأتي بعد سيل الإشادات بدور سوريا في لبنان بدءا باتفاق الدوحة مرورا بالانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة وتبادل التمثيل الدبلوماسي ، وهي من جهة ثالثة ، تأتي بعد صدور تقارير إسرائيلية تؤكد جدية مسعى دمشق للتوصل إلى سلام مع إسرائيل في نهاية عملية تفاوضية بدأت بالفعل بوساطة تركية في اسطنبول ، إلى غير ما هنالك من إشارات دالة على انفتاح سوريا والانفتاح عليها.

وحتى في المسألة العراقية تحديدا ، فقد صدرت تقارير عدة ، أمريكية وعراقية ، تؤكد "تحسن" الأداء السوري في ضبط الحدود ، ومنع تسلل المقاتلين ، وهذا أمر نعرفه من "المواقع والمنتديات الجهادية" التي بدأت تضع سوريا في صدارة قائمة "أعداء الله" لأنها تفعل ذلك تحديدا ، وقد أكدت تقارير دمشق ومعلوماتها ، أن اشتباكات وملاحقات جدية تجري ضد خلايا وشبكات في مختلف المناطق السورية ، وبالذات في منطقة المثلث الحدودي الكائن شمال شرق البلاد ، والتي كانت مرشحة لتكون مقرا لإمارة إسلامية وفقا لمعلومات كشف عنها الرئيس السوري أمام ضيوفه مؤخرا ، وليس ثمة ما يدعو للشك فيها أو وضعها في سياقات آخرى.

فلماذا هذه العملية إذن ، وما الهدف منها وما فائدتها في الحرب على الإرهاب ، هل هي عملية ـ رسالة ، ستتوقف عندما تصل إلى "المرسل إليه" أم أننا أمام محاولة أمريكية لتحويل البوكمال ودير الزور إلى "وزير ستان" و"منطقة قبائل ثانية"...لماذا لم تقم القوات الأمريكية بتنفيذ عمليات في العمق السوري ، عندما كان هذا العمق حاضنا لـ"المجاهدين" والقاعدة ، وعندما كانت الحدود مفتوحة على مصراعيها للداخلين والخارجين من وإلى العراق ، لماذا الآن وبعد أن تحوّلت سوريا من "التعاون" مع ما يسمى بالإرهاب إلى الحرب عليه وفقا لكثير من المؤشرات الدّالة ، هل لهذه العملية علاقة بأزمة التفاوض حول "الاتفاقية الأمنية مع الحكومة العراقية ، وهل تخدم هدف توقيع هذه الأتفاقية أم أنها ستزود معارضيها العراقيين والإقليميين بحجج إضافية لتصعيد رفضها وتحشيد القوى في مواجهتها ، لاسيما وأن البند المتصل بـ"حق" القوات الأمريكية في استخدام الأراضي والأجواء والمياه العراقية لتنفيذ عمليات ضد دول مجاورة كان أحد قضايا الأخذ والرد بين العراقيين والأمريكيين ، وأحد مصادر القلق الإقليمي (الإيراني إساسا والسوري بالدرجة الثانية) من الاتفاقية المذكورة؟،.

في البحث عن حدث سياسي إقليمي أو دولي قد تكون له صلة بالاعتداء الأمريكي على السيادة السورية ، لا نجد إلا الانتخابات الأمريكية ، فهل قرر بوش دعم صديقه ماكين في حملته الانتخابية من خلال خلق بؤرة توتر جديدة ، هل هذا ما ينقص الأمريكيين الغارقين في أبشع أزماتهم المالية والاقتصادية والعالقين في أوحال سياستهم الخارجية ، هل تريد الإدارة أن تعيد الاعتبار لمسألة الحرب على الإرهاب كنقطة على جدول أعمال الانتخابات الأمريكية لصرف النظر عن الأزمات السياسية والأمنية والفشل المالي والاقتصادي ، وتدعيما لحملة ماكين والجمهوريين الآخذة في الانهيار؟

أسئة وتساؤلات حائرة ، لم تحجب عنّا التساؤل كذلك عن "السهولة" اللافتة التي تتم بها عمليات اختراق السيادة السورية ، وفي أماكن وعلى جبهات عدة ، فقد بات استهداف العمق السوري عملا روتينيا ، والأهم أنه لم يعد مكلفا أبدا ، وبعد أن كان "منتهكو المحرمات" من الإسرائيليين تحديدا ، ها نحن نشهد انضمام الأمريكيين إليهم ، فكيف يمكن تفسير هذا الأمر ، وفي دولة ما زالت رسميا في حالة حرب مع إسرائيل ، وتشكل ركنا ركينا من "معسكر المقاومة والممانعة" ، وأية استنتاجات قد يصل إليها المراقب لهذه الانتهاكات المتكررة ، حول "جهوزية سوريا واستعداداتها" للمواجهة أمنيا وعسكريا ؟،



تعليقات القراء

احمد
الغريب ان المقالة رائعة لولا سوء العنوان فهل توزور دير الزور ، ان امريكا دكت ما شاءت في وزير ستان فان العالم احمع يعلم انها تحوي الرجال المنهضين للوجود الامريكي في افغانستان وانه تحتضنهم نتمنى من الكاتب ونحن منقراءه والمعجبين بطروحاته احيانا والمستهجنين احيانا كثيرة لطروحاته خصوصا في حديثه فيما يخص الموضوع الفلسطيني لانه لايستطيع ان تتحدث به دون ان ينفث بدخان الاقليمية الضيقة وككاتب فانه قناص مواقف محترف . نتمنى عليه ان يتوخى الدقة في وضع العنوان حتى لاتندرج تحت سوء النيه بغية تسويق الضربة الامريكية ضد بلد عربي شقيق بين للعالم الاحتراف السياسي والدبلوماسي حين شق عن نفسه ثياب العزلة الدوليه
نافي دير الزور
13-11-2008 11:22 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات