عباءة القدس


    لم يلعب المنتخبان الاردني والفلسطيني ضد بعضهما ، على مشارف القدس ، امس الاول ، فقد لعبا مع بعضهما ، وكانت النتيجة تعادلا ايجابيا ، وهي نتيجة طبيعية ، سياسيا واجتماعيا ورياضيا.

قبل لاعبي المنتخب الاردني ، الذين كانوا بين اهلهم وجمهورهم ، عرفت ارض فلسطين ، رجال الجيش العربي ، اولئك الذين حاربوا واستشهدوا ، وبقيت ارواحهم طوافة حول المسجد الاقصى ، تلك الجباه التي وقفت قرب المسجد الاقصى تدافع عنه ، ووقفت في الخليل ، وفي كل مدن فلسطين ، لا يهمها اليوم "المتنكرون" من كتبة التاريخ العربي المزور ، الذين يريدون للاردن ان لا يكون ، ويريدون لنهر جمع الناس ، ان يفرقهم ، ويجعلهم شيعا ، تشك في بعضها ، وتنسى عدوها ، الاساس.

لا اصدق من يقول انه وطني فلسطيني ، ويكره الاردن ، ولا اصدق من يقول انه وطني اردني ، ويكره فلسطين ، فالوطنية هنا ليست حالة معزولة ، عن سياقها التاريخي ، وعن منبعها الاساس ، اي ان هذه امة واحدة ، والدم لا يصير ماء كما يقولون ، الا لدى من تهون عليه العشرة ، والدم ، والقربى ، والتاريخ ، والحاضر والمستقبل ، وهؤلاء الشذاذ فقط ، هم من تتمعر وجوههم كراهية وغضبا ، اذا لمسوا في قلبك كثيرا من حب وعطف وحنو واعتراف ، لشقيقك ، ايا كان هذا الشقيق ، ويريدون للكراهية والنكران ان يصبحا العقيدة الاساس.

مباراة المنتخب الاردني والمنتخب الفلسطيني ، ليست مناسبة سياسية ، لكنها تذكرنا بأن هذه الوجوه التي لعبت "مع بعضها" وليس ضد بعضها ، هي وجوه واحدة ، حتى حين تسافر انت واسافر انا ، ويسافر كثيرون من اهل الضفتين ، يختلط الامر على العربي ، من اللهجة ودم الوجه ، فيسألون ابن جبل الخليل والمقيم في جبل الخليل ، بهل هو اردني ، ويسألون ابن البلقاء ، ذات السؤال ، او بهل هو فلسطيني ، والقصة هنا ، تتجاوز دعوات المسيسين لتطبيق خطط الوطن البديل ، وتداخل الادوار السياسية ، والمشاريع ، هي قصة عائلية واجتماعية ، يعرفها اهل الضفتين ، ويسمم طهرها اليوم ، من ارادوا العبث ، والعبث فقط ، في مصالح ، اقدم دولة عربية قائمة وقوية على شرق نهر الاردن ، ودولة قيد التأسيس ، غرب النهر ، وهي دولة يريدها الاردن ان تقوم ، مستقلة ذات سيادة ، وان تكون حاضنة للحلم الفلسطيني ، الذي يجب ان يترعرع في موقعه ، وليس على حساب الاخرين ، بطبيعة الحال.

التعادل الايجابي في مبارة المنتخبين ، امر طبيعي جدا ، فلا يصح ان يفوز الفلسطيني على الاردني ، ولا يصح ان يفوز الاردني على الفلسطيني ، فلدى الجانبين قدرات خلاقة ، ولديهما تاريخ عميق ، عبر مئات السنين ، لا يصح فيه ، تفويز طرف على اخر ، ولربما كانت الحكمة ان يسجل كل فريق هدفا واحدا ، والتعادل بهدف ، يعني ان الهدف واحد ، هو خلاص هذه المنطقة من شرورها ، وان يبقى الاردن قلعة ، قوية ، لا يتم السماح بمسها او هدمها او تحويلها الى غرفة للايجار ، وان تبقى فلسطين عربية ، وان تقوم دولتها ، وان تحل جميع مشاكلها ، على ارضها ، وغير ذلك هو تلبية لمن يريدون خراب المنطقة ، ولمن يريدون تحت اسم العاطفة ، في مرات ، وتحت اسم تمرير مخططات الخارج ، تحويل الاردن ، الى مساحة فندقية للاستثمار ، للاقوى ولمن يدفع اكثر ، وهو نهج لا يقبله اي شريف وحر في ضفتي النهر ، لادراك كل شريف الخطر ، وليس لكراهية او انعزال.

خفقت قلوبنا اول امس والاعلام الاردنية تخفق على مشارف القدس ، واطلت معها تلك الرايات التي حملها الجند في حروب الجيش العربي ، وهو الجيش الذي لم تقبل عقيدته العسكرية ان يتاجر بالشهداء ، ولا ان يحولهم الى مادة تلفزيونية ، لمناكفة اقليم يتنكر لمن قدم فعلا ، ويكتفي بجعل الصراخ هو القيمة الاساس بدلا من الدم ، الذي روى الاردنيون به تراب فلسطين ، وما زالوا سندا واخا ، لا يعاير شقيقه ، ولا يحمله كلفة التذكير بما قدم ، وهذا هو فعل الاصيلين ، الذين شهدت مضارب اجدادهم تهريب السلاح الى فلسطين في ثلاثينات وعشرينات القرن الماضي ، والذين اطلقوا "هبوب الريح" من جنوبنا ، مرورا بكل الشهداء ، الى اخر زيت سراج يوقد في المسجد الاقصى المبارك. ومسجد قبة الصخرة المشرف.

اقدام اللاعبين ، اطهر بكثير ، من بعض رؤوس المسيسين ، في حالات كثيرة ، وعباءة القدس تجمعنا كلنا.. أليس كذلك؟

m.tair@addustour.com.jo
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات