السلسلة الثانية من رواية رغبة الإنتقام الجزء الرابع


أجاب ممدوح هاتفه بغضب و هو يقود سيارته بحذر في شارع كورنيش النيل بإتجاه عمارة الحوريات "ماذا تريد يا سيد يوسف مني؟ لم اصل الى البناية بعد،"
أجابه الصوت ضاحكاً "هل ما زلت غاضب مني؟"
"لا يا سيد يوسف و لكن اجازة يومين...يومين فقط...و الجناح الذي حجزته لي زوجتي، قد حَرَمْتَني من ارقى المُتَعْ على الإطلاق و تسألني عن إذا ما كُنْتُ غاضب منك؟"

ضحك يوسف بقوة ثم أجاب "سأقوم بتعويض الإجازة لك، لا تقلق، يا سيدي و لا تكون سريع الغضب هكذا، ثم ان القضية يجب أن تُحَلْ بأقصر وقت ممكن، أنت تعلم جيدا أن قضية ندى الاسيوطي أخذت بعدا أكبر بعد أن أهتم بها شخصياً معالي الوزير،"

فجأة شعر محمود و كأن أحد صفعه على وجهه، فأجاب بإهتمام "لم يخبرني أحد عن هذا الأمر من قبل؟ و من أقحم معاليه بهذه القضية؟"
"ألا تعلم أن الإعلام يَحْشُرْ أنفه بكل شيئ بهذه الايام، ثم أنه تبين أن معالي الوزير من متابعي برنامج الدكتورة ندى الاسوطي، و حينما توقف بسبب حوادث الإغتيال المتكررة التي طالتها اتصل بها للإطمأنان عليها، فأخبرته بتفاصيل القضية و أطلعته على حيثيات الموقف بالكامل، فأهتم بأمرها و أَوْعَزْ بضرورة تغطية مصاريف مدرسة أطفال عبدالجبار الذين يسكنون معها الآن في منزلها بالكامل..."
"اتصل بي فيما بعد..."
"ما هذه الوقاحة...لم انهي حديثي بعد يا ممدوح..."
"اريد تصفية حساب شخصي مع سامح، فقد اتصل بي في الأمس و لم يخبرني بهذه التفاصيل..."
"يا اخي إلتمس عذرا لأخيك، على العموم لا تنسى أن تكلمني حينما تنتهي من تفتيش شقق الضحايا..."
"تحت امرك يا فندم..."

فكر في ذاته "هل هذه الصداقة يا سامح...طيب يا سامح،" أخرج هاتفه الخلوي ثم دخل بإتجاه شارع طلعت حرب، طلب رقم سامح فأجابه بعد برهة قائلا..."ألم تَمِلْ مني، ساعة على الهاتف بالأمس..."
"عليك لسان اقوى من لسان الخاطبة التي تريد ان تخطب لعروس، تكلمنا بشتى المواضيع بالأمس يا سامح يا شاذلي و لم تقل لي أن معالي الوزير مهتم بأمر قضية ندى الأسيوطي؟
"يا أخي ماذا كان سيتغير لو قلت لك...ثم صدقا نسيت أخبارك...هذا كل شيئ، "
"أين أنت الآن.."
"أنا في شارع شامبليون.."
"عقوبتا لك سَأُنَفِذْ هذه المأمورية معك..."
أجاب سامح بإستغراب "هل جننت؟ نحن لا نعمل بنفس القسم؟"
"يا سيدي لا أحد سيعلم؟ أنا بحاجة لمرافق و لا أستطيع الوثوق بأحد..."
"طيب يا سيد ممدوح، سأتي اليك انتظرني و لكن أحتاج لعشرة دقائق على الأقل، ثم اين سنذهب بالضبط،"
"جيد، لست بَعَجَلَةٍ من أمري و لحسن حظ هذه المرأة العجوز،"
"اية مرأة؟"
"لا تقلق نَفْسُكْ، فيبدو لي أن إطار سيارتها فارغ من الهواء تماما، سأُغَيِرْ الإطار لها ريثما تَصِلُنِيْ، هنالك شقتين يجب أن نبحث بهما عن أدلة جيدا، فالأولة لضحية وجدت بقاع النيل بالأمس و نعلم أين شقتها بالعمارة، و لكن يجب أن نستفسر عن موقع الشقة الثانية، سأخبرك بحيثيات القضية و نحن بالطريق، هل سلاحك معك؟"
"أنت تعلم بأنني لا أتحرك من دونه،"

************************
وقفت بجانب رصيف الشارع تنظر الى السيارات المسرعة أمامها، تارة تُؤَشِرْ بيدها طالبةً المساعدة مِنْ مَنْ كان ينظر اليها و الى سيارتها المارسيدي المتوقفة و تارة تنظر الى ساعتها، فقد تأخرت على موعدها جدا و كانت خائفة أن لا تصل الى المكان المحدد قبل مغيب الشمس، كانت ترتدي القميص الابيض و البنطال الأسود و نعل كعب عالي أسود اللون، و كان شعرها الاسود الطويل التي تخللته بعض الخُصَلْ الخمرية يهتز من حول كتفيها مع هبوب نسيم خفيف و لطيف، فكانت ايضا هباته الباردة تُخَفِفْ عنها الحر القاسي،

لم يتوقف أحد لمساعدتها خلال الساعة التي مرت عليها بجانب الرصيف ففكرت في ذاتها و قالت "يا اولاد الكلاب، لو كنت إمرأة في العشرينات او الثلاثينات من عمري و أرتدي تنورة قصيرة أو قميص شفاف لوقفت كتائب جرارة تسأل عني، و لكني إمرأة عجوز تُداري جمالي التجاعيد البشعة و أمسك عكاز بيدي فلذلك لا أجد من يعينني، "و لكن هَيِنْ يا أهل القاهرة، لكم يوم ستعضون اياديكم ندماً به...فلهذه اللحظة لم يتم محاسبتكم جيدا على 30 من يونيو...أم هل تعتقدون أن الحساب أنتهى...؟"

فجاة رأت سيارة تتوقف بجانب سيارتها، فضربت العكاز فرحا بيديها و قالت بنبرة مرهقة للسائق الذي ترجل من سيارته بسرعة "كثر الله من أمثالك يا بني..."
نظر ممدوح اليها بحنو و أمسك يدها بصورة عفوية و لمس نعومتها قائلا "يا أمي في خلال خمسة دقائق سَأُبَدِلْ الإطار المعطل، لا تقلقي..."
نظرت الى عينيه و طلته الشابة و قالت له "بارك الله بك، تفضل مفتاح السيارة فالعجل بصندوق السيارة..."
أخذ ممدوح المفتاح و فتح الصندوق، و بسرعة أخرج الإطار الإحتياطي ثم الرافعة الصغيرة بالصندوق و وضعها بالمكان المناسب، نجح بفك الاربعة براغي جزئيا ثم ابتدأ بإدارت يد الرافعة و ابتدأت السيارة من الأمام بالأرتفاع عن الارض، قال لها "إطارات هذه السيارات عملية جدا و تحتاج لكثير من الوقت لتفرغ من الهواء، يبدو لي أنكِ لا تقومِ بِتَفَقُدْ السيارة جيدا قبل قيادتها"
أجابت المرأة العجوز "أنا سيدة طاعنة بالسن و لا أفهم كثيرا بالسيارات، لذلك قام أولادي بشراء هذه السيارة الحديثة لي لأن السيارات الحديثة اعطالها نادرة جدا..."

أَحَسً ممدوح بأمر مريب فجأة، شعر بأن هنالك شيئ لا يريحه فنظر من حوله قليلا، كان السير بالشارع يسير كالمعتاد، و كانت المرأة تقف و العكاز بيدها تنظر اليه و هو يعمل، أكمل تَغِيِرْ الإطار بكل حرفية ثم أدار يد الرافعة الصغيرة التي كانت تحت السيارة، عادت السيارة لوضعها الطبيعي من جديد، نهض و وضع الإطار الفارغ من الهواء في صندوق السيارة، أعاد المفتاح للسيدة العجوز و الإبتسامة مرسومة على شفتيه، فتفاجئ بها تحضنه بحنو ثم تقبل خده قائلة "شكرا لك يا بني،"

وضعت يدها بجيبها و أخرجت له قطعة من الراحة، كانت ملفوفة بغلاف شفاف، فشكرها و عاد الى السيارة، أغلق الباب وراءه و نظر اليها و هي تشعل محرك السيارة ثم تسير بالشارع أمامه و تختفي بين السيارات المسرعة، ابستم و قال في ذاته "عمل المعروف ضروري،"

نظر الى ساعته ثم أخذ هاتفه و طلب رقم سامح، انتظر على الهاتف طويلا و لكن لم يجبه أحدا، أغلق الخط و فكر في ذاته قائلا "كانت إمرأة عجوز مسكينة و كانت في ورطة، فساعدتها بتغير إطار سيارتها، فلماذا اشعر بشيئ يقلقني؟ الموقف كله طبيعي، التقط قطعة الراحة و ابتسم من أناقة غلافها، فكان عليها شعار مصنع يحمل اسم تحيا مصر...، فتح الغلاف و و ضع القطعة في فمه، و فجاة راى سيارة سامح تصطف بجانبه على الرصيف،
****************************************
كانت شقة رانيا شبانه كبيرة جدا، فكانت تتألف من أربعة غرف نوم و صالة جلوس و صالة ضيوف كبيرة، و كانت مؤثثة باناقة تامة حيث كان اثاث الجلوس و الصالة الكبيرة بني اللون ايطالي المنشئ على غرار اثاث زمن الملك لويس الثالث عشر، فشعر ممدوح برهبة من روعة تصميم المكان، و كانت غرف النوم جميعها مؤثثة بالاثاث الأنيق و احتوت جيمع الحجرات على طقم كنب أمام سرير النوم، أثاث غرف النوم كان من نوع الحفر الثمين فكان من الواضح أن رانيا شبانه صاحبت شأن بالمجتمع المصري،

سار ممدوح بأرجاء الشقة التي كانت مرتبة بالكامل...بل بدت له و كأن مربية المنزل فرغت للتو من ترتيبها، دخل احدا حجرات النوم و وقف ينظر لبرهة من الزمن الى اثاثها و الأغطية التي كانت تغطي السرير، اناقة السرير كادت أن تجعله يلمسه بيديه و لكن كان يعلم بقرارة ذاته أن فرق الجنائية ستصل عما قريب و لمس محتويات الشقة محرم على الشرطة قبل عملية المسح الكاملة، فكر في ذاته و قال "ثمن غطاء واحد من تلك التي على السرير يساوي راتب شهر كامل من الرواتب التي أستلمها في نهاية كل شهر..."

"قال بصوت عالي "رحمكِ الله!" ثم توجه الى صالة المنزل حيث كان الممر الوحيد الى مطبخ الشقة من خلالها، كانت الصالة طويلة و واسعة و تؤثثها ثلاثة أطقم كنب فاخرة و مائدة عدد مقاعدها اثنتي عشر مقعدا، و كانت هنالك على الجدران لوحات للطبيعة كبيرة و رائعة الجمال، توقف عند واحدة منها و أمعن النظر فيها، كانت منظر طبيعي لمروج خضراء و لشجر فارع ذو أغصان طَغَتْ عليها الأوراق الخضراء النضرة، و كان في الخلفية جبال شاهقة الطول تكسوا قممها الثلوج البيضاء، ما أروعها من لوحة خلابة، فمن الممكن النظر اليها لفترة طويلة من الوقت من دون ملل فكان من أبرز معالمها اهتمام الرسام بالتفاصيل أكثر من العناصر الرئيسية في اللوحة، فرسومات الطيور التي كانت تطير حول الشجر بكثافة و وجود غزلان تشرب من بحيرة ماء صغيرة كانت موجودة في طرف اللوحة كانت واضحة جدا، فامتلأت سطح البحيرة بالأمواج الصغيرة و التموجات الدقيقة،

فجأة لفت إنتباهه وجود مكتب صغير في زاوية من زوايا الصالة، فشعر برغبة بالبحث بمحتوياته ليتعرف على شخصية الضحية أكثر فمن الواضح أنها من طبقة ارستقراطية كبيرة و صاحبت شخصية أنيقة، فتوجه اليه و فتح دُرْج من أدراجه العديدة، وجد مفكرة صغيرة سوداء اللون عليها صورتها، ابتسم و دمعت عينه فتذكر جسدها في غرفة التشريح الذي امتلئ بالجروح و الطعنات الموجعة، فتح أولى صفحات المفكرة و وجد صورة للضحية، كانت مبتسمة و بجانبها صديقة لها، كانت رانيا إمرأة جميلة و جذابة جدا فكانت بكامل زينتها بالصورة، و الإمرأة الشابة التي بجانبها لم يقل شأن جَمَالها عنها، سَقَطَتْ دمعة من عينه على الصورة فأخذ محرمة من علبة محارم على المكتب و مسح نقطة الدمع، و فجأة لفت إنتباهه أمر مريب جدا بالصورة ، كانت الإمرأة التي ترافق رانية تلبس خاتم بإصبع يدها اليمنى، فتذكر الإمرأة العجوز التي ساعدها في تغير إطار السيارة، كان مرسوم على الخاتم من فوق صورة صغيرة لوردة حمراء على خلفية ذهبية، نظر بتمعن للخاتم الذي كان بيد الإمرأة فكان عليه نفس الصورة، فكر في ذاته و الدماء تتجمد بعروقه من الصدمة "من كانت المرأة العجوز التي غيرت لها الإطار اليوم...هل من المعقول؟" أخذ المفكرة و وضعها بجيب السترة التي كان يرتديها و هو يقول بغضب شديد و بصوت مرتفع "كارمن يا عاهرة...لك يوم!"، فجأة اتقبض قلبه في صدره و أحس بشيئ مريب يتحرك من وراءه، نهض و استدارة ليجد مارد فارع الطول عريض المنكبين و مفتول العضلات يبتسم له و في يده عصاة طويلة،

سحب مسدس من جيبه و لكن ضربه المارد على رأسه بالعصاة فأحس بدوار شديد ثم سقط على الأرض، تَشَوًشَتْ الأرض و معالم المكان من حوله في نظره ثم شعر بحواسه تعود له سريعان، لم يَقْدِرْ على النهوض عن الأرض فكانت قواه منهكة من الضربة، رآى المارد و هو يرشق مادة من مواد سريعة الإشتعال في كافة ارجاء الصالة من حوله، و سرعان ما تَيَقًنَ من حدة رائحتها بأنها مادة البنزين، استجمع ما استطاع من قواه و جلس قليلا على الأرض، سحب المسدس من جيبه ليرى المارد يدخل الى الغرفة مرة آخرى و جالون البنازين بيده اليمنى و ولاعة سجائر بيده الآخرى، رشق بعض من المادة على الأرض قليلا ثم تفاجئ بمنظر المسدس في يد ممدوح، ارتسمت علامات الهلع على وجهه لبرهة من الزمن و هو يرى ممدوح يقف على قدميه، فقال له ممدوح "من أنت و ماذا تفعل في منزل المغدورة رانيا شبانه!"
فأجابه المارد "لن أدعك تعيش يا هذا! لن ندع المخبارات المصرية و شأنها!"
أجابه ممدوح بنبرة حاقدة و العلامات الغضب و الكره تشع من عينيه "أنتم كلاب و ستقعون في قبضتنا عاجلا أم آجلا!"
حاول المارد سحب مسدس من جيبه و لكن أطلق ممدوح رصاصة قاتلة أصابته في منتصف جبينه، سقط المارد و هو يصرخ بقوة من الآلم، أسرع ممدوح اليه و نظر الى وجهه، كان قد فارق الحياة سريعا،



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات