الأردن وفلسطين: سؤال الهوية والاخوة


بقدر ما تكون الهوية مفتوحة تتقدم الدول والمجتمعات وتنفتح أمامها الفرص وتزيد في الوقت ذاته مخاطر الانقسام والذوبان. تشترك هنا هوية بلد صغير مثل الأردن مع هوية بلد قاري مثل الولايات المتحدة الأميركية. فيعكر الحلم الأميركي المبني على بلد المهاجرين كابوس هيمنة ذوي الأصول الإسبانية الذي صرخ صموئيل هانتنجتون صاحب "صراع الحضارات" نذيرا به.

 وفي الدرس العراقي، وآخره ما حل بمسيحيي الموصل، تذكرة لمن يتوهم بأن بلدا في مأمن من أزمات الهوية. فقد توجس الأشوريون مبكرا مع استقلال العراق، ولاذوا بالفرنسيين في سورية أملا في حمايتهم فما نالوها وعدوا خائنين لا يتعاطف أحد مع اضطهادهم، وما حاق بالكرد كان أشد وأنكى، وتعفنت الهوية الوطنية وتفسخت حتى ضاقت بالسنة العرب الذين توارثوا حكم العراق من ايام الراشدين إلى دولة البعث.

 وإن أزهرت رياحين في دروب العلاقة الأردنية- الفلسطينية فإنها تخفي ألغاما، قد تنفجر إن غشيها أعمى. ومن يتعظ بغيره عليه كشف تلك الألغام ووضع شواخص تحذير منها وصولا إلى تنظيفها بكاسحات الألغام. فالهويتان الأردنية والفلسطينية حديثتان، عرفتا بعد انهيار الدولة العثمانية. وأول مؤتمر لأهل فلسطين عقب رحيل العثمانيين كان تحت عنوان "سورية الجنوبية"، وكان أبناء الأردن وفلسطين ينسبون لبلاد الشام أو لمدنهم أو لعشائرهم.

 لم تكن الهوية متضخمة في ذوات الشعبين، حتى جاءت النكبة الفلسطينية، فغدا تضخيمها مشروعا لمواجهة أشرس المشاريع الاستيطانية.

 وتمكن الفلسطينيون بعد فقدان أرضهم من الحفاظ على هويتهم "شعبا" في الشتات يتوق إلى وطنه. في توهج الهوية الفلسطينية جاءت وحدة الضفتين. لم تكن مطلبا شعبيا مثل وحدة سورية ومصر، كانت "ضما أخذ سيرورة وحدة" بحسب الباحث محمد المصري.

 وفي الوقت الذي كان شرط الوحدة لاحقا بين سورية ومصر حل الأحزاب وهي التي طالبت بها، نمت الحياة الحزبية في الضفتين، وفي ظل نظام متسامح عصري تشكلت هوية تحافظ على "الدولة الأردنية" وعلى "القضية الفلسطينية".

 لم تنته وحدة الضفتين بالاحتلال، انتهت بالسبعين وفي اتفاقية عمان التي توصل إليها الباهي الأدغم بين النظام والمنظمة ونصت في بندها الرابع على أن المنظمة وحدها ممثل الشعب الفلسطيني، وتكرس الطلاق في قمة الرباط عام 1974 ولم يتعامل الأردن رسميا مع واقع الانفصال إلا في قرار فك الارتباط عام 1988.

 وبعدها أجريت للمرة الأولى منذ قرار الوحدة انتخابات 1989 من دون دوائر الضفة الغربية. وجد قرار فك الارتباط تأييدا واسعا من الدول العربية ومن الفلسطينيين، لم يكن ذلك فرحة بانتهاء واحدة من أنجح تجارب الوحدة في العالم العربي بقدر ما كان احتفاء ببروز الهوية الفلسطينية من دون شركاء في ظلال الانتفاضة الأولى وإعلان الاستقلال.

عارض الإخوان المسلمون القرار وحدهم تماما، كما كانوا وحيدين في معارضة انفصال الجمهورية العربية المتحدة على ما بينهم وبين عبدالناصر من دماء. تواجه اليوم العلاقة الأردنية الفلسطينية لغما يمكن التحذير منه وتلافيه.

 ففي ظل تعالي الأصوات الإسرائيلية بـ"الخيار الأردني" يظل العُمي في حقل الألغام. فبين مسوق لوجهة النظر الإسرائيلية باعتبارها خيارا وحدويا يبعث رميم وحدة الضفتين وبين ناعق بالدعوات العنصرية التي تجعل الأردنيين والفلسطينيين أعداء بدلا من حصر العداء بالاحتلال الإسرائيلي.

لا مجاملة في تصنيف من يروجون للخيار الإسرائيلي بالخونة، ولا مجاملة في التعامل مع العنصريين الذين يحاولون اللعب على غرائز الناس وتهييجهم واستعدائهم.

فمن يقول إنه ممثل الشرق أردنيين وحدهم أو الأردنيين من أصل فلسطيني وحدهم لا يمثل إلا مخططات الاحتلال الاسرائيلي.

 في إشكالية الهوية يحتاج الإردنيون والفلسطينيون إلى قراءة تاريخهم، والتدقيق في واقعهم. وفيه ما يفتخرون به وهو كثير.

 وفيه القليل مما يخجلون منه. والتشخيص القاسي لا يحمل نوايا سيئة خصوصا إنْ صاحبه العلاج الحاني.

yaser.hilala@alghad.jo



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات