كتاب الإستدعاءات ونظام المخترة من بقايا الدولة العثمانية


.. يطلق عليه في سوريا ومصر؛ العرضحالجي، أي كاتب الإستدعاء. لديه طاولة قديمة (مخلعة الأطراف)، وأوراق بيضاء، وعدد من الأقلام ذات الحبر الجاف، وبعض الحجارة، أو قطع من الحديد للاستعانة بها عند الضرورة.

 أستغرب جداً كيف أن الدولة الأردنية التي وصلت الى ما وصلت إليه من تقدم، ورقي، وتطور على أجهزتها الأمنية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، والسياسية؛ ما زالت تعتمد على أنظمة عفا عليها الزمن، وتعد من بقايا التخلف، والجهل، مثل نظام المخترة، وكتابة الإستدعاءات.

يعد قانون المخاتير من القوانين القديمة التي أقرت وفق المادة 8 من القانون رقم 52 لعام 1958 ويحدد هذا القانون واجبات المختار، ودوره الإجتماعي داخل المنطقة أو العشيرة، وتقديمه المعلومات المهمة للسلطات المختصة عن أي مجرم أو أي شخص سيء الأخلاق، أو غريب عن المنطقة أو العشيرة، أو تبليغ الأمن عن أي شخص مصمم على ارتكاب فعل يخالف القانون.

وللمختار أدوار متعددة، منها أيضاً؛ التبليغ عن الوفيات، وختم المعاملات التي تحتاج الى تعريف بالأشخاص في المنطقة التي تقع ضمن دائرة المختار، لكن مع التطور الذي حدث على كل مناحي الحياة، وسرعة انتقال الأردن الى مصاف الدول المتطورة؛ صار لزاماً على دولتنا أن تتخلص من بقايا الأحكام العرفية، ومخلفات القوانين المضحكة للأسف الشديد.

لذلك لا يجوز أن نجعل من الماضي القديم نموذجاً للحاضر والمستقبل، ونتمسك بأنظمة تلاشت في مهدها، فالدولة التركية التي أخذنا منها بعض القوانين القديمة؛ تخلصت من قوانينها وأصبحت تركيا الآن من أفضل دول أوروبا، والشرق الأوسط، ومن الدول التي يحتذى بها؛ علمياً، وثقافياً، وسياسياً، واقتصادياً.

أما فيما يتعلق بكتاب الإستدعاءات، أو نظام كتابة الإستدعاءات المعمول به في كثير من دوائر الدولة وأجهزتها الأمنية، مثل دائرة السير، ودائرة الأحوال المدنية والجوازات.. الخ، فيمكن التخلص من هذا النظام من خلال توفير طلبات إجراء المعاملات الرسمية، وأعتقد بأن الطلبات موجودة في كل دوائر الدولة، ويمكن للمواطن أن يعبىء طلب استخراج الهوية، أو جواز السفر، أو رخصة السيارة دون الإستعانة بأحد، ووضع الطوابع على المعاملة وينتهي الموضوع عند موظف الدائرة، وأحيانا لا يحتاج المواطن الى تعبئة الطلبات، لأن الموظف هو المكلف بتعبئة الطلب بناء على المعلومات المخزنة في الكمبيوتر.

عندما قمنا بالاستفسار عن مهنة المختار؛ وصلتنا إجابات مبهمة، تشير الى أن المخترة أصبحت عادة وعرف تتعامل معه وزارة الداخلية استناداً الى القانون المشار إليه سابقاً، لكنه غير ملزم في كثير من الأحيان، أما نظام كتابة الإستدعاءات أو تعبئة الطلبات فقد أكدت كثير من الدوائر بأن لا علاقة لها بكتاب الإستدعاءات، والمواطن غير ملزم على الإطلاق بكتابة الإستدعاء لأن الدائرة توفر الطلبات، ويمكن لأي مواطن أن يساعد نفسه، أو أن يقوم الموظف بمساعدته على أكمل وجه.

هذه القوانين انتهت، وفقدت قيمتها، وفعاليتها منذ انتقال الأردن عام 1989 الى الديمقراطية، والحريات، والانفتاح الحقيقي على دول المنطقة والعالم، فما عادت البلاد تحتاج الى مختار؛ ربما لا يعرف من القراءة والكتابة أكثر مما يعرفه طالب في السادس ابتدائي.. من غير المعقول أن يحتاج حامل الشهادات العليا خدمات مختار غير متعلم ولا يحسن القراءة والكتابة، ثم إن الأجهزة الأمنية يمكنها الحصول على معلومات كاملة ووافية عن أي مواطن في الأردن.

فالتطور التكنولوجي جعل من مهنة المخترة وكتابة الإستدعاءات أمراً مثيراً للضحك، ويدعو للسخرية، إذ يمكن لأي مستخدم لوسائل التواصل الإجتماعي أن يحل جميع القضايا، وأن يتواصل مع مختلف دوائر الدولة من خلال الإنترنت، بينما المختار وكاتب الإستدعاءات لا يعرفان كيفية استخدام الكمبيوتر، ولا خفايا الشبكة العنكبوتية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات