الدفاع عن السُّمْعة !!


قد لا تكون هناك مناسبة محددة لرؤية هذه الواقعة ، عن كلب أزعج الجيران بنباحه طيلة الليل ، وحين أخذه صاحبة الي الطبيب البيطري وقام بفحصه لم يجد لدى الكلب سبباً صحياً واحداً لنباحه الذي لا ينقطع ، وحين ألح صاحب الكلب على الطبيب لمعرفة السبب ، أجابه الطبيب ، كل ما في الأمر ان هذا الكلب يدافع عن سمعته ككلب كي لا يتهم بالتخلي عن أهم صفاته..

وقد يرى البعض ان هذا المثال قابل للتعميم على الكائنات كلها.. فالعصافير أيضاً تدافع عن سمعتها بالتغريد والخيول ايضا تدافع عن سمعتها بالصهيل والماعز يدافع عن سمعته بالثغاء الى آخر القائمة، ولا أظن أن ابن المقفع الذي شوي جسده على السفود عقاباً له على ما اقترف من استنطاق الحيوان قد اضطر الى ذلك لولا ان لغات البشر لم تعد تكفي ، خصوصاً بعد ان زحف المجاز عليها ، وضاعت الحقائق في لعبة المترادفات والكلمات المتقاطعة..

والعرب لديهم لغة بسعة امبراطورية ، لكنها الآن تنحسر وتضيق ، ولم تعد تقوى على التعبير عن حجم هذا الألم والغيظ اللذين يكظمهما الانسان في صمت يرشح منه الدم ، تماماً كما يرشح الدم من لجام غليظ يشكم حصاناً تمرد على وضعه ، وأصبح يجر عربات البطيخ والكاز بدلاً من ان يحارب أو يزف العرسان،

لقد عرف تاريخنا العربي أزمنة انحطاط تلهى الناس عنها بما اخترع لهم من خرافات وحكايات ، لعبت دور المخدر للوعي وأسلمتهم الى غيبوبات دونها الموت..

واذا كان كل شيء قد تطور على صعيد التقنية والادوات ، فان النوازع الغريزية والبدائية لم تتطور ، ما دامت أهداف الغزو هي ذاتها وغايات السطو على مصائر الآخرين هي ذاتها، لهذا قد يبدو التاريخ كما لو انه يعيد نفسه وينمو دائرياً أو بشكل لولبي لأن الظلم باق والفقر مقيم ، والجهل مزمن ، وما من وصفة مهما بلغت سحريتها تصلح لتحرير الارض من هذه الشرور ما دام الانسان هو مصدرها بل منتجها ومصدرها ايضاً الى عالم الحيوان.

لهذا يرى علماء الاحياء ان الحيوانات الداجنة أو تلك المسجونة في اقفاص في حدائق الحيوان اصابتها عدوى الشذوذ وعرفت أمراضاً نفسية لم تعرفها في البراري والبيئات الطبيعية الاصيلة،

ولو شئنا الاستطراد حول مثال ذلك الكلب الذي يدافع عن سمعته بالنباح ، فان المجرمين ايضاً يواصلون القتل دفاعاً عن صفتهم الاجرامية وهذا ما يفعله الاحتلال الذي يدافع بادامة احتلاله عن سمعته الدولية كسارق وقاطع طريق في وضح النهار..

اما الفارق بين انحطاط أنيق كهذا الذي نعيشه في زمن الانترنت والاستنساخ واستبدال الفحم الحجري بالفحم البشري وبين انحطاط بدائي وسافر ، فهو زمن الانحطاط الحداثي الذي لا يرجى شفاؤه ، لأن المرضى يكذبون على أطبائهم وعلى أنفسهم ايضاً ، والوعي السالب ليس كالجهل البريء أو الجهل في درجة الصفر ، انه يحتاج الى علاج مزدوج ، يبدأ بافراغ الاناء مما استنقع وفسد فيه من اجل تأهيله لاستقبال ماء نظيف.

عالم ، الكل فيه منهمك في الدفاع عن سمعته وعن صفاته ، بدءاً من كلب ينبح ويزعج الجيران بلا سبب ، حتى القاتل الذي لا يتوب دفاعاً عن صفته وسمعته أيضا،
التاريخ : 01-12-2009



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات