عملية السلام: عدو قوي ومفاوض ضعيف؟!


لن يكون هناك سلام يؤدي الى قيام دولة فلسطينية؛ لا على المدى القريب، ولا على المدى البعيد. وعملية قبول إسرائيل الجانب الأردني لكي يفاوض عن المنظمة سببه عائد الى تمييع المفاوضات وإطالة أمد التفاوض، وفيما بعد عزل الجانب الفلسطيني، والإنفراد به لمنحه ما تبقى من أراض فلسطينية بالقطعة، وعلى مدى عشرات السنين، بعد أن تكون الدولة العبرية أخضعت كامل الأراض الفلسطينية وقطاع غزة، لكن تحت حكم فلسطيني تابع لإدارة الدولة الإسرائيلية.

اليهود يريدون من أرض فلسطين أن تكون تابعة لهم لكن؛ تحت إدارة فلسطينية، والأردن؛ تحت إدارة أردنية، وجزء من أرض إسرائيل الكبرى، وهذه كلها أفكار وسياسات يهودية قديمة ومتجددة.
يجب أن نعيد التسمية القديمة لمملكتنا؛ المملكة الأردنية الهاشمية بضفتيها؛ الشرقية والغربية، ونعيد تسمية إسرائيل؛ لتعود كما كانت؛ فلسطين المحتلة. فاليهود ينشدون في كل صباح: لنهر الأردن ضفتان؛ هذه لنا، والثانية لنا..!

أنهم يعلنون دائماً أن الأردن تعد امتداداً لدولة إسرائيل الكبرى؛ وهذا التصريح نوع من أنواع الضغط للحصول دائماً على مكاسب من العرب، ومن الغرب على حد سواء، إلا أن تطبيق إسرائيل الكبرى واقعياً يعد ضرباً من المستحيل بل معجزة العصور لأسباب كثيرة؛ إلا أنها مقولة ناجحة، وعبارة عن منفذ من المنافذ الأفعوانية المتعددة لليهود كلما حشروا في زاوية صعبة بضغط من المجتمع الدولي.

فالدولة اليهودية لا يمكنها السيطرة على ما تحتها من أرض، فكيف لو تجاوزت الى الأردن لا سمح الله، وإسرائيل عليها لعنة أبدية تتمثل بهزيمتها لو تجاوزت الحاجز الإلهي. ومعركة الكرامة، والجنوب اللبناني، وسيناء أدلة واضحة على عدم تمكن اليهود من التوسع.

إن ضعف إسرائيل يتمثل في تمددها الى خارج حدود فلسطين، والدولة العبرية تكمن قوتها داخل فلسطين وليس خارجها؟!

تقسم القوة اليهودية الى قسمين: الأول؛ وقوف المجتمع الدولي الى جانبها، ومساندتها في الحروب، ودعمها في المفاوضات، وتمتين اقتصادها عبر حزم من المساعدات الهائلة، إضافة الى ما يجمعه يهود العالم من أموال.

الثاني: امتلاكها للسلاح غير التقليدي، مما يجعل منها دولة حمقاء، ورعناء إن تعرضت الى خطر الدخول في حروب شرق أوسطية، هذا في حالة عدم وجود قوى دولية تمنع عنها وتحميها، ستستخدم خيار شمشون دون أدنى تفكير بالعواقب.

الحكومة الإسرائيلية (أي حكومة) تفرض حلول على الجانب الفلسطيني، وتحاول أن تطيل أمد المفاوضات، وكلما مر الوقت دون التوصل الى سلام مع العرب؛ عمدت الى تغيير صيغة القرارات، فمن قرارات مجلس الأمن الى مدريد، الى واي بلانتيشن، الى واشنطن، الى تجزئة المفاوضات الى عشرات الطاولات المستديرة والتي يتحكم فيها صغار المفاوضين دون طائل، ودون أمل بالوصول الى نقطة يتفق عليها الأطراف. وكلما واصل العرب الضغط على اليهود لإيجاد حل نهائي؛ عمدت الحكومة الى الإستقالة والإعلان عن انتخابات جديدة؛ يتم زج القوى المتشددة الى الواجهة، وعندها تتجمد عملية السلام أربع سنوات من عمر المفاوضات.

إسرائيل استطاعت أن تتمدد بالشكل الذي تراه مناسباً لها، وباعتبار أنها الدولة الوحيدة في العالم التي ليس لها حدود دولية، استطاعت أن توفر مناطق آمنة لإطالة أمد الصراع على التفاوض، وحجة الأمن الذي تعاني منه أوقع دول الغرب في حيرة من أمرهم، وجعل منهم لعبة بيد اليهود؛ وأعتقد أنهم يجيدون التلاعب، والخداع، والهروب، والإختباء.

تجميد ملف السلام والتفاوض قبل الدخول بإجراءات عقابية من طرف واحد؛ سيؤدي حتماً الى وقف المساعدات الأمريكية عن الأردن، لكن يجب أن نجد البديل عن طريق المساعدات العربية، وعلى المواطن العربي أن يتحمل، أو تبقى الأمور على ما هي عليه؛ مفاوضات دون الوصول الى نتيجة في غير صالح إسرائيل..

أتمنى على نظامنا السياسي إطلاق تصريح واحد مقابل إعلان إسرائيل أن الأردن تعتبر الضفة الشرقية لإسرائيل؛ يتمثل هذا التصريح اعتبار فلسطين الضفة الغربية للأردن، وإعادة تسمية المملكة الأردنية الهاشمية بضفتيها الشرقية، والغربية كاملة بما فيها فلسطين المحتلة، وعلى الدولة الأردنية اتخاذ إجراءات فورية باعتماد القدس عاصمة للدولة الفلسطينية القادمة، وإعادة مقرر القضية الفلسطينية لوزارة التربية والتعليم، وكتاب الصراع العربي الإسرائيلي، وإبقاء تسمية فلسطين المحتلة بدلاً من كلمة إسرائيل التي يجب أن توضع بين قوسين، وبعض الإجراءات الدبلوماسية والسياسية العاجلة لعل وعسى تتزحزح إسرائيل عن تعنتها.. إن إجراءات من هذا النوع ستخلق حالة من التكافؤ بين عدو قوي، ومفاوض ضعيف، ويمكن لعملية السلام أن تثمر عن دولة كاملة السيادة على الأراضي المحتلة.

ملاحظة: بعض الكلمات والعبارات اختفت من القاموس العربي:
- فلسطين المحتلة، الأراضي المحتلة: أصبحت إسرائيل..
- القدس: وقد أصبحت؛ القدس الشرقية..
- اللاجئين، والنازحين؛ أصبحت: من شتى الأصول والمنابت، أو أردنيون من أصل فلسطيني، أو حملة الأرقام الوطنية، وأصحاب الحقوق المنقوصة.
- يهوذا والسامرة بدل الضفة الغربية..
ستجبر إسرائيل العرب بمساعدة أمريكا على الإعتراف بيهوذا والسامرة في يوم من الأيام مثلما أجبرونا على نسيان تسميات كثيرة ربما أكون ذكرت بعضها الآن، فقد أسعفتني الذاكرة، أما الأجيال القادمة فلن تسعفهم الذاكرة بعد أن ينغمسوا في وحل الصهيونية والأفكار الغربية التي أصبحت في متناول اليد، ويقبل عليها جيل الشباب دون أن يدركوا أن في ذلك هلاكهم وهلاك الأمة العربية..



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات