من العائدين !


بعكرة العيد بنعيد.. بنذبح بقرة سعيًّد (أو السيد).. وسعيّد ماله بقرة بنذبح بنتُه هالشقرة، هذه الأهزوجة كنا نرددها يوم الوقفة ، ولا ادري ما أصلها ، ولا من ألفها ، وهي تُروى بعبارات وأسماء أخرى حسب المناطق ، لكن الثابت أن فيها ذبحا يبدو أنه جاء من عيد الأضحية ، لكن المريب والغريب اقتران ابنته الشقراء بالذبح ، ويبدو أن الإشارة هنا لرمز غربي اختزل المستعمر على الأغلب ، أو ربما هناك شيء آخر لا يعرفه إلا الراسخون في علم الأهازيج الشعبية ومنشئها،.

بكرة العيد ، والمشاعر فيه تختلط ، بين ذكريات مضت ، وأخرى تتشكل ، ذكريات الفقر والعوز والحاجة التي تجاوزناها عندما كبُرنا واجتهدنا ، وأخرى تتشكل لدى من لم يزل يعاني من نفس ما عانينا منه منذ عقود ، دورة تكاد تكون مكرورة: فالمخيمات لم تزل قائمة منذ ستين سنة تقريبا ، وبالتوازي ثمة قرى وبواد وأرياف تعاني مما تعاني منه المخيمات وربما أشد وأقسى ، لذا جرت على ألسنة الناس في بلاد الشام كلمة "من العايدين" للتهنئة بالعيد ، فلا فرق هنا في معنى الاغتراب أو اللجوء ، بين محروم وآخر ، سواء كان في مخيم أو أو بادية أو ريف ، واللجوء غدا معنى عربيا بامتياز ، وبعضنا لجأ أو هاجر هجرات مركبة ، فمن منفى إلى آخر ، ومن لجوء إلى سفر ، ومن هجرة إلى القبر ، وكله بحث عن "الكلأ والعشب" فالأعرابي نضى دشداشته المغبرة ، وارتدى البذلة ، لكنه ظل مهاجرا يبحث عن مرعى للأولاد بدلا من مرعى الأغنام ، رحلة أبدية سرها واحد بين حضر وريف ، مخيم ومدينة ، لكن السر الأكبر بقي في ذلك الفرق الهائل بين ذلك العربي المتخم حد التقيؤ والآخر الجائع حد الأنيميا ، ولا وسط بينهما ، فما يدلقه الأغنياء في بطونهم وبطون الحاويات يكفي لإنقاذ جحافل من الجوعى في بيداء العرب ، وربما لا يصدق أحدنا أن بعض عائلات العرب لا ترى اللحم إلا في المواسم ، فيما تعاني عائلات أخرى من داء النقرس ، لفرط تناول اللحم وافتراسه ، كأنها تفترس أجساد إخوتها المعوزين ، ولكنها لا تشعر بفداحة ما ترتكب،.

من العايدين،،.

وأين يعود من يحمل غربته بين جنبيه؟ فلا هو هنا ولا هناك؟ وأين يعود من يشعر بالاغتراب في بلده ، أنظروا لإخوتنا في مصر مثلا: نحو عشرة ملايين مواطن مهاجر هائم على وجهه في منافي الأرض باحث عن عمل أو مأوى أو ملاذ ، معنى آخر من معاني "النكبة" التي يعاني منها نحو نصف هذا العدد من لاجئي فلسطين ، وقل مثل هذا عن مغتربي لبنان وسوريا وشمال إفريقيا ، وغيره من بلاد العُرْب ، فلكل "نكبته" واغترابه ولجوئه،.

من العائدين إن شاء الله ، إلى ذواتكم وضمائركم ودينكم وأحبابكم ، وكل عام وأنتم بخير،.

 


التاريخ : 26-11-2009



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات