نرقع دنيانا بتمزيق ديننا


التفريط في الدين له صور وأشكال منها صورة التمزيق للدين، كمن يؤمن بالله تعالى وبالرسول عليه الصلاة والسلام وبالإسلام وبالقرآن الكريم، ولكنه يأخذ بعض الأحكام، ويهمل بعضها الآخر،ويطبق بعض الإسلام، ويتخلى عن بعضه الآخر، ويختار من القرآن بعض آياته وأحكامه، ويعرض عما سواه، ويسلخ من الدين ما يشاء من الفروع بما يتفق مع الأهواء والميول والأذواق فيلتزم به، ويتاجر فيه، ويدير ظهره لما يشاء، ولا يكتفي بذلك نظرياً، ولا يقف عند هذا الحد، بل يلجأ إلى أديان أخرى، أو فلسفات فكرية، أو قوانين وضعية، أو عادات بالية أو تقاليد موروثة، يستورد منها ما يشاء، ويسد فيها الثغرات التي مزقها في الدين، ويرقع بها الصورة التي شوهها بيده، ليصبح المنظر مقرفاً، والثوب مرقعاً، والصورة مخزية، والهيكل غريباً عن أهله، وعن غير أهله، لا مع هولاء ولا مع هولاء، واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
ولم يقتصر أمر التمزيق على الأفراد والجماعات، بل امتد إلى الدول والحكومات التي قامت بمهمة الترقيع والتمزيق، وقصّرت في تطبيق دين الله وشرعه القويم، فاحتفظت ببعض الأحكام الشرعية وبعض جوانب الفقه القاصر على الأسرة، وفرضت القوانين الوضعية بتعسف دون النظر إلى عقيدة الأمة ومرجعيتها الإسلامية، وشرعت الأنظمة البشرية في مجالات الحياة فأضاعت شخصيتها، وفقدت هيبتها، وتعثرت في طريقها، ودبت الخلافات بينها، وَمُزق شملها، واضمحل كيانها، وأصبحت كريشه خفيفة تتقاذفها الرياح العاتية، لتصبح في النهاية تبعاً لغيرها، بحيث استسلمت لإرادة المحتل لها فكرياً واقتصادياً وتشريعياً، وفي ذات الوقت تحاول أمتنا أن تطبق من الدين ما يروق لها لتتاجر باسم الدين، وتظهر أمام السذج والبسطاء أنها تطبق الدين وتعمل على حمايته.
ولذلك نلاحظ التناقضات السلوكية والفكرية على المستوى الفردي والجماعي، وصار من المألوف أن نرى من يحافظ على بعض التقاليد الموروثة باسم الدين، ومن يداوم على أداء العبادات وفي نفس الوقت يسخر من سنة ثابتة بالنص وإجماع العلماء سلفاً وخلفاً كالطلاق أو تعدد الزوجات أو أحكام الحدود، أو يستغرب تحريم المسكرات والربا والاختلاط الفاحش المذموم، وغير ذلك مما يوحيه إليه شياطين الأنس والجن، وبعضهم يتخذ من عقله ورأيه حكماً على قبول بعض جوانب الشرع أو رفضه، أو ليحكم على الشرع الشريف بالصلاح أو الفساد استجابة لداعية الناعق من الشرق أو الغرب، وهذا ما كشفه القرآن الكريم مبكراً وحذر منه، وبين نتائجه الوخيمة فقال عز وجل:» أرايت من اتخذ إلهه هواه أفانت تكون عليه وكيلاً، أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إنْ هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً ، وقال تعالى:" أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم " .
إنّ من أولويات المؤمن أن يلتزم بالدين المنزه عن الخطأ وأهواء البشر قولاً وتطبيقاً، دون أن يتخذه للمتاجرة أو جعله صنعة وحرفة، ليطبق بعضه حسب الأهواء والأمزجة والمصالح الشخصية، ويهمل بعضه الآخر إذا تعارض مع الهوى والمصالح، ليتم نسيانه إلى غير رجعة وهذا التطبيق الجزئي للدين من الفرد أو الجماعة أو الدولة يعطي صورة مشوهة للإسلام، لا يقبلها العقل السليم، ولا يقرها الدين النظيف البريء من التشوهات، ويبرأ الله عز وجل منها ومن أصحابها، ومع ذلك يسعى الحاقدون على دين من أبناء جلدتنا ومن غيرهم أن يصدروا للعالم الصورة الممقوتة المبتورة للإسلام من أجل الصد عن الدين الحق والإسلام الصحيح، مما يؤجج نار الفتنة، أو التحامل وإثارة الغبار والعواصف الهوجاء ضد الشريعة الغراء التي راعت مصالح الإنسان والجماعة، وحمت الإنسان من الشرور والمفاسد التي تسبب له المهانة والذلة.



تعليقات القراء

نسرين
هذه هي مصيبة المسلمين يؤمنون ببعض الحديث و يكفرون ببعض و هذا ما جعل الله يغضب علينا و يسلط علينا من لا يرحمنا كما غضب على بني اسرائيل من قبل بسبب ايمانهم ببعض الحديث و كفرهم ببعض.
09-09-2015 08:23 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات