إساءة توظيف المشاعر الوطنية


تختلف المجتمعات العربية في مدى إحساسها بالوطنية القطرية ، وهذا يعود إلى اسباب لها علاقة بالتركيبة الاجتماعية والدينية وتاريخ نشوء الدول العربية وتطورها ، ولكن من المعروف لجميع العرب تقريبا أن الوطنية القطرية تمثل عاملا مشتركا هاما ما بين المجتمع المصري والجزائري بشكل يتفوق على أي بلد عربي آخر ربما باستثناء سوريا والتي يتمتع شعبها ايضا بوطنية قطرية عالية بالرغم من الخطاب القومي والعروبي.هذا التصادم في الوطنيات القطرية وجد ساحة منفعلة في كرة القدم ، وخاصة في المباريات الأخيرة ما بين الجزائر ومصر في تصفيات كأس العالم والتي شغلت الرأي العام والنخب السياسية العربية. هذه المواجهة الانفعالية أسفرت عن خلل كبير في العلاقات ما بين الشعبين وليس الحكومتين فقط ، وذلك نتيجة لحملات إعلامية تحريضية وتعبوية جعلت بعض الجماهير تخرج عن طورها في عدة مراحل من تطور المواجهة الكروية بين المنتخبين.

يعلم كل العرب بأن المواطن المصري البسيط والفقير والذي يجهد طوال حياته للحصول على ما تيسر من قوت يومه يملك حبا لبلده لا يضاهيه حب مواطن عربي آخر لوطنه. بالرغم من مشاكل الفساد والفقر والطبقية وغيرها من الظواهر السلبية والمعاناة التي يشعر بها المواطن المصري فإنه من شبه المستحيل سماع مواطن مصري ينتقد بلده ، حتى لو كان يعبر عن انتقاد شديد للحكومة. أما في الجزائر فإن سنوات النضال ضد الاستعمار الفرنسي والتي نتج عنها أكبر تضحية في تاريخ الشعوب الواقعة تحت الإستعمار جعلت الوطنية الجزائرية قاسما مشتركا بين كافة المواطنين سواء العرب منهم أو البربر. وساهمت هذه الوطنية باستعادة التماسك في المجتمع الجزائري بعد السنوات السوداء التي ارتكب فيها الإرهابيون الكثير من الفظائع ضد المجتمع الجزائري ، وهي جرائم كان يمكن لها أن تحدث تدميرا نهائيا لا رجعة عنه لولا وجود المشاعر الوطنية القوية لدى الشعب الجزائري.

المشاعر الوطنية أمر إيجابي ، وأية دولة تكون محظوظة بوجود شعب يمتلك هذه الوطنية والهوية الواضحة ، ولكن فقط عندما يتم توجيهها نحو البناء والتنمية والتقدم. وما حدث في مصر والجزائر منذ شهر تقريبا أن هذه الوطنية الصادقة قد تمت إساءة توظيفها من قبل إعلام تجاوز كافة الخطوط الحمراء ، أما لاسباب الإثارة والترويج أو بتنسيق سياسي فتحولت هذه المشاعر إلى أداة هدم للعلاقات بين الشعبين المصري والجزائري.

المد الهائل من التحريض الإعلامي والذي لا بد من التوثيق بأنه قد بدأ في بعض الفضائيات المصرية فور انتهاء مباراة مصر وزامبيا قبل شهر ونصف بفوز مصر وبالتالي استعادة فرصة المنافسة على بطاقة التأهل حيث بدأت حملة من التحريض ضد المنتخب والشعب الجزائري واتهام الجزائريين بكراهية كل ما هو مصري وأن مصر هي التي حررت الجزائر من الاستعمار وغيرها من التعليقات المستفزة والتي وجدت صدى فوريا لدى الإعلام الجزائري الذي اعتبر ان العلاقة السياسية بين مصر وإسرائيل “كعب أخيل” استخدمه لانتقاد السياسات المصرية ونقل القضية إلى مستوى سياسي وليس اجتماعيا ورياضيا فقط.

هذا التحريض كانت نتائجة شبه معروفة مسبقا وتمثلت في الاعتداء على باص اللاعبين الجزائريين في القاهرة - وإدعاء الإعلام المصري بأن اللاعبين هم الذين ضربوا أنفسهم، - وما تلاه من اعتداء منظم من فئة من المراهقين الجزائريين الذين وصلوا الخرطوم بدون تذاكر للمباراة على بعض جماهير الفريق المصري ما اسفر عن 21 إصابة حسب بيان وزارة الصحة المصرية بعضها كان خطيرا وبآلات حادة.

المباراة انتهت ولكن الضغائن لم تنته ، ولا يزال الإعلام يبث المزيد من الأحقاد بين الشعبين ما بين صمت سياسي وأحيانا تدخل سلبي من قبل شخصيات سياسية تزيد المشاعر التهابا ، ولكن هذه التجربة كانت محرجة ومؤلمة لكافة المتابعين العرب ويمكن القول: بأنها اضاعت البهجة المتوقعة بتأهل فريق عربي إلى نهائيات كاس العالم وأثبتت مرة أخرى مدى الدور السلبي لبعض وسائل الإعلام في بث الضغائن بين الشعوب العربية ، وفي هذه الحالة بالذات لم يكن هناك اي طرف مظلوم لأن الكل ساهم في وصول الوضع إلى هذا المستوى المؤسف.

batirw@yahoo.com
باتر وردم



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات