فساد مغشوش


متابعو تجارة المخدرات يجدون تجارا لم يكتفوا بتقديم السموم إلى مجتمعهم، بل بتقديم أنواع مغشوشة من المخدرات وذلك بإنتاج خلطات من مواد عادية، وأحيانا مواد تموينية مع بعض السموم، وتقدم على أنها منتج جديد “صنف جديد”.المفارقة أنهم لا يكتفون بغش المتعاطين وإفساد مزاجهم، بل يقدمون لهم “فسادا وسموما مغشوشة”، أيضا يتم ترويجه على أنه نوع جديد ومنتج فاخر، ويكون لهذا ثمن مالي، أي أن الغش له أثمان مركبة على “أصحاب الكيف”، وبخاصة الباحثين عن كل جديد في عالم التعاطي.

الفساد المغشوش يتعدى عالم المخدرات إلى عوالم عديدة حتى وصل الى عالم السياسة والاقتصاد، إذ تتم إعادة إنتاج منتج جديد عبر التحايل وتجميل الرديء واستعمال كل أنواع التسويق من كلام جميل أو تقنيات علمية والهدف تعميق النموذج الرديء وتحقيق مزيد من المكاسب بكل أنواعها.

المثابرون على إعادة إنتاج الفساد يحتاجون أحيانا إلى “غسيل أشخاص”. فغسيل الأموال يمكن أن يحولها إلى أموال عادية على شكل استثمارات أو ثراء مفاجىء، وهنالك غسيل الأشخاص عبر إعادة إنتاجهم لينتقلوا من مرحلة لأخرى ويكونوا من رموزها وأصحاب المكاسب فيها.

الانتخابات، مثلا، أداة مهمة لإعادة إنتاج الأشخاص في مجتمعات عديدة، ونتحدث عن الانتخابات التي تقودها الأموال وتستعمل إحباطا للناس، فيمكن أن تجد أشخاصا فشلوا في مرحلة و خرجوا منها بصورة سلبية، لكنهم قفزوا إلى المراحل الجديدة عبر أدواتها، بعد تشويه تلك الأدوات وتحويلها إلى حصان طروادة والحصول على غسيل، يمكنهم من الظهور مرة أخرى.

وأحيانا يكون الانتقال من مرحلة إلى أخرى عبر تغيير الخطاب والقناعات، فاذا كانت مرحلة الانغلاق الاقتصادي والسياسي فهم المدافعون عنه وإن تغير الحال إلى الانفتاح والديمقراطية ودور القطاع الخاص كانوا أبطاله، وهم مستعدون للانتقال نحو الماضي بشرط أن يحقق هذا استمرار حضورهم ومكاسبهم.

إعادة الإنتاج تكون أحيانا عبر البيات، لكنه بيات لغايات تحقق النسيان لدى الناس، فشخص يخرج من مرحلة تلاحقه الآراء الناقدة يتم إدخاله في بيات مؤقت حتى تنساه الناس ثم يبدأ بالعودة مرة أخرى إما عبر نشاطات اجتماعية أو سياسية، وربما يقدم ما يفعله تجار السموم من تحايل عندما يتحدث للناس بلغة ثورية أو ربما يسبق كل المناضلين الحقيقين بالكلام هو غسيل وإعادة إنتاج قد ينجح لأن هناك من تنطلي عليه ألاعيب هؤلاء، ولا يحتاج الأمر أحيانا إلا لبعض التصريحات أو استقطاب أشخاص لتسويقه للناس، وربما مع بعض المشاركة فيما يحب الناس.

في زمن المال واللعب باللغة وتطور أساليب التسويق علينا أن نتوقف طويلا عند كل “صنف” جديد أو إعادة إنتاج أصناف قديمة ثبت أنها انتهت بسبب الممارسات وليس السن، لأن العبرة في المضمون وليس في الأعمار.

لعلنا مطالبون بالتدقيق حتى لا نقع فريسة الفساد المغشوش، مثلما يفعل تجار السموم الذين يبخلون على ضحاياهم حتى بالسم الخالي من العبث!

sameeh.almaitah@alghad.jo

سميح المعايطة



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات