الشعب يريد رئيساً جديداً


كثر الأدعياء وقل الدعاة، وكثرت المولاة وقل الولاء، وكثر الأتباع وقل الإتباع، وكثرت البدع وقل الإبداع، وخرجت علينا بعض الأصوات التي تردد بان لا مستقبل للشعب الفلسطيني من دون الرئيس، ولا حياة للأجيال لو غاب الرئيس، ولا وحدة صف، ولا وحدة موقف، ولا اجماع وطني، ولا دولة فلسطينية من دون الرئيس محمود عباس تحديداً.
فكيف نصدق ذلك، وقد تدبرت الأمة الإسلامية شأنها بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم؟ وهل كان الرئيس محمود عباس بمرتبة رسول، ويتنزل عليه الوحي السياسي كل صباح، فأربك بمنهاجه الفذ إسرائيل، وقوض مشروعها الاستيطاني، وأفسد مؤامرتها الخبيثة على الأمة العربية والإسلامية؟
لقد غيب البعض عقله، وأفسد قلبه، ووضع وقراً في أذنيه، وراح يطالب الشعب بأن يتمسك بالرئيس رئيساً طالما هو قادر على الشهيق والزفير، بل يرفض البعض طرح فكرة استقالة الرئيس، ويقرر نيابة عن الشعب بأن الصلاة في محراب المسجد الأقصى لا تجوز إلا بحضور الرئيس، وأن صيام العشرة الأواخر من ذي الحجة لا تصح إلا بمعية الرئيس.
فماذا دهاكم يا أيها الرجال؟ هل فقدتم الثقة بأنفسكم، أم هل تأججت الخلافات بينكم إلى الحد الذي استعصى عليكم حلها، فلجأتم إلى حضن الرئيس كي يحميكم من أنفسكم؟ أم هل ترعبكم الديمقراطية، وكرهتم نتائجها، فلذتم بدكتاتورية الفرد كي تحفظ لكم امتيازاتكم؟ أم هو الضلال والنفاق الذي جعلكم تتسابقون لتمجيد مكارم الرئيس؟ أم هو حقدكم على بعضكم الذي ألزمكم الالتصاق بشخص الرئيس؟ أم هل فقدتم الأمل بلم شملكم بعد غياب الرئيس، فاعتصمتم بالحائط الأخير، قبل أن يتهدم معبد المنافع على رأس المستأثرين؟
ماذا ألم بكم يا رجال فلسطين؟ كيف تطلبون لأنفسكم رئيساً تجاوز الثمانين عاماً؟ لماذا لا تفكرون بالتجديد والإبداع؟ ألم تسمعوا عن جورج واشنطن، الرئيس الأمريكي الذي رفض فترة رئاسية ثالثة، رغم الانتصارات الداخلية والخارجية التي حققها للشعب الأمريكي، ورغم إلحاح المعجبين؟ لقد خجل من نفسه أن يكون أمريكياً، ولا تفرز بلاده رجلاً بكفاءته، ليقودها من جديد، سأفترض أن الرئيس محمود عباس هو الرئيس الأمريكي جورج واشنطن، الذي حرر الأراضي الأمريكية، ووحد الشعب، ومنع الانقسام، وسأفترض أن الرجل محمود عباس منقطع النظير، ومكتمل الأوصاف، فهل ستغشون على وجوهكم لو غاب؟ وهل بعجبكم هذا الحال الفلسطيني المائل؟ ولماذا لا تطلبون التجديد لعل في الجديد ما يبهج القلب ويفيد؟ لماذا لا تستبدلون رئيساً ارتضي أن يحكم جزءاً من شعبه الذي يعيش على جزء من أرضه؟ لماذا لا تستبدلون رئيساً انشق نصف شعبه عن نصفه الآخر، وبعد أن صار نصفين، تمزق نصف النصف فصار ربعين، وتمزق الربع فصار الوطن وطنين، بلا سيادة على الأرض، ودولة بين قوسين.
فما أعجزكم أيها الفلسطينيون، وقد جفت أرحام نسائكم، وتبددت في العراء نطفكم، واضمحلت ريحكم! ما أعجزكم، وأنتم ترمون بأنفسكم تحت أقدام إنسان مثلكم، وتطلقون يده في تقرير مصيركم! وقدستموه وهو إنسان لا يختلف عنكم بوظائفه البيولوجية، فسلمتم له أمركم، وأنتم تحكمون على نسلكم بالعجز والضعف والبلادة والانصياع والضياع؟
أيها الفلسطينيون، حين يصير وطنكم أغلى من الرئيس، وحين يصير تراب فلسطين أغلى من كل التنظيمات، انتظروا وطنكم العائد، انتظروه يدنو منكم، وينادي عليكم بأسمائكم، يحضكم على تحريره، وطرد غاصبيه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات