وشوش البحر بسلام


بعد ان تحجرت القلوب وبردت أحضان الأهل والبشر, وتسلل منها آخر خيط دفئ يتيم ودعته رعشتك الصغيرة الأخيرة نحو السماء.

أرقد بسلام توشوش البحر وتبوح له بمذكرات أمة وتاريخ انسانية غير انسانية.

كم أنت كبير أيها الصغير وأنت تبوح للموج برسالة شوق للأهل والحياة, وصلت سابع السموات وصاحبها سبحانه, مارقة من خلالنا كما يمرق السهم من الرمية, دون ان تلامس وجداننا وصحوتنا.

كم أنت كبير ايها الصغير وأن تودع البحر الشفوق, آخر مكاتيبك المعتذرة على المغادرة المفاجئة دون أن تستطيع حماية الأهل والسلام, من بطش الجبابرة وتجار الموت, ودون ان تستطيع ان تدفع عنهم مآلك وما صرت اليه.

غادرتهم, ولم تترك لهم راع غير الله, وحماقة أفطنهم, وشر شياطينهم وزمهرير صدورهم الثلج.

احتضن ايها الصغير رمل الشطئان الأوروبية كما احتضنتك, ولا تحزن فهذا الرمل كان الوحيد, على اختلاف لغته وأبجدية وجدانه, الذي فهم آخر أناتك وتالي حشرجاتك الحرّى التي ودعت الارض الى صاحب الارض والسماء, من خلقك أول مرة, بعد ان صارعت بشجاعة الأبطال ذلك الموت الأرحم الذي خسرت أمامه بالنقاط فقط.

ولا تجزع أيها الملاك الراقد هناك, وقد فاتتك سفينة نوح, حيث من كل زوجين اثنين الا من جنسك.
الحمير والبغال والكلاب والضباع وابن آوى, وغيرهم من الكواسر والوحوش, تسابقوا وارتقوا السفينة وترتحوا بشفافيل الحياة والنجاة, دون ان يتركوا لك يا صغيري قيد أنملة من مساحة على متنها,
أو ربما كنت عند الحسم أكثر كرما وإيثارا من كل قساة القلوب وأصحاب الذنوب المتسابقين, فتركت لهم طوعا حيزك الصغير مع نوح عليه السلام الى راس الجبل,

ولربما كان حبك لنا أكبر بكثير واصدق بكثير من قسوتنا وتحجر قلوبنا.

وشوش البحر بالتركية واليونانية والألمانية, وعلمهم عربيتك التي بخلوا عليك بها أهلك.

وشوش البحر يا طارق الصغير الكبير, وقد حرقت قلوبنا الباردة, دون ان يكون لك سفينا تحرقه.
اذهب يا صغيري بسلام, واتركنا لجهالاتنا دون سلام.

وسلم منا على كل الصغار الكبار الذين ينتظرونك هناك تحت ظل شجرة من شجرات الجنة, وحتى لا تنقطع سلسلة الشجعان الصغار, تحية إلى علي الدوابشة, فمن يشفق على ضحايا الحريق اكثر من غريق.

وأنت ايها البحر, سلام عليك وسلام لك, فقد كنت أرحم بكثير منا جميعا وأكبر قلب منا جميعا وأدفى حضنا منا جميعا, ولن نخافك بعد اليوم.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات