وأصبح للنوايا سفير


زيف وسحابة صيف أصبح معظم ما نسمع ونشاهد, ألقاب تتبعها ألقاب, وحروف ونعوت تسبق الأسماء, تحيّرك وتربكك, وتضعك بالغالب أمام معضلة البحث والتمحيص والحدس وقراءة الكف وربما تضطر لزيارة عرّافة أو قارئة فنجان ذات سمعة واسم, عندما تقرأ لأحدهم أو تتشرف بالوقوف أمامه أو حتى مجالسته.
بالمساء, تعرفه وتعرف قدراته ومؤهلاته العلمية والثقافية والانسانية وغيرها, ما بين الابتدائية والإعدادية, ركيك اللغة, ضعيف التعبير, لا تسعفه مصطلحاته, ولا تصلك بالغالب فكرته إن وُجدت, إلا إذا أرهقت استشعاراتك كافة وفن اقتفاء الأثر والمنطق لديك. ثقافته تختطف منك عند التجربة الأولى, حتى مجرد محاولة المجاملة المبررة, ناهيك عن الاستفادة والتعلُّم. يطالعك بالصبيحة, وبقدرة قادر, بالاسم المدلول, وربما متبوعا بلقب "سفير النوايا الحسنة" أو سفير الإنسانية, أو سفير كذا أو كذا, بعد أن أصبح للنوايا سفيرا, ولكل ما لا يخطر على البال والخاطر, وكيلا أو ممثلا أو حاملا لرسالة دولية عالمية أممية أو ما شابه.
لا يعلم النيات إلا الله, الحسن منها والسيئ, فلا أدري والحالة هذه, كيف ولأي مبرر أو غرض تمنح هذه الألقاب, وحسب أي المعايير يختارون أصحابها, طالما أن النوايا كما قلنا, هي طيّ الصدور وخلف صناديق ضمائرية مغلقة, وعند صاحب العلم سبحانه, من خلق الأنفس ويدري بنواياها.
ثم وكيف يسارع البعض بين ليلة وضحاها إلى أقرب مطبعة رخيصة, تدبج له حرف الدال, عربيا تارة ولاتينيا تارة أخرى قبل اسمه, على بطاقة التعريف عليه, يزينها على الأقل ثلاثة أرقام لكل شبكات الهاتف المحمول العاملة في المملكة ويوزعها بمناسبة وبغيرها.
لا...وللمزيد من الإمعان بالتزييف وقلب الحقيقة على رأسها, فقد تقرأ في بطاقة أحدهم, الشريف الدكتور فلان, دون أن تستطيع إدراك فحوى هذا الشرف أو التشريف وإن كان حقيقة أو "سكّر خفيف" .
شهادات مواكبة لهذه الألقاب, تصرفها جهات مجهولة أو غير مؤهلة أو لا تحمل هي الشهادات, داخل حدود الوطن وخارجها, لمن لا يستحقونها, مقابل رسوم مادية تكاد لدى بعضها لا تصل إلى تكاليف منسف يتيم بلحم مستورد ولبن غير مدسوم, تجعل البعض لا يتردد بشراء خدمات وألقاب هذه الجهات والجماعات وأوراقها المقوّاة والممهورة بتواقيع لا تعرف لها صاحب أو وظيفة اعتبارية, مع أخطاء لغوية وإملائية حتى بنص الشهادة الأكاديمية العالية جدا, ظنا منهم أنها تضيف لهم الملاءة التي تشبع نرجسيتهم وترتق فتقهم النفسي المزمن.
وبالمناسبة, فإن حصول غير مؤهلٍ على شهادة الدكتوراه, من هذه الجهات والتجمعات, مقابل دنانير قليلة, به غبن لأولئك الذين تعبوا وسهروا ودرسوا وامتحنوا لسنين طويلة, للحصول على "دالهم" المرافقة للمعلومة والعلم والحق المكتسب لنيل هذا اللقب أو ذاك, إلى أن هذا أيضا يزوّر حق استخدام ألقاب أكاديمية لا تمنح إلا بشروط أسّها الأساس الأول, الثانوية العامة, ومن بعد, التدرج بالشهادات العلمية حتى تلك التي تمنحه لقب الدكتور ومشروعية استعماله والعمل بإجازته, تدرجا بتراكمية تشرع درجاتها الأولى للتالية دون أن يكون العكس صحيحا أو ممكنا.
والحالة هذه, وإن كان صحيحا ما رشح مؤخرا عن نية السلطات المختصة ملاحقة أصحاب هذا الفساد والإفساد الجديد والتزوير الواضح, من بائعين ومشترين ومستخدمين, فإننا والحمد لله, وأخيرا, نكون قد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح لمكافحة هذه الآفة ومن يروجّون لها, حتى تستوي الأمور ويحق الحق ويرتفع الظلم.
وكم أتمنى على الأخوات والأخوة الزملاء في جمعية الكتاب الالكترونيين الأردنيين, وكل حملة الأقلام الحرة الشريفة وأصحاب الفكر في وسائل إعلامنا الوطنية كافة, أن يتصدوا معا, ومع القانون لهذه الظاهرة المقيتة وهذا الفيروس السريع الانتشار الذي يهدد المجتمع والشرعية العلمية في وطننا الأردني العزيز.

أ. د. د. الأديب الشاعر الإعلامي الشيخ, الشريف تحت التأسيس...الخ,
جمال الدويري



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات