الطريق من هنا !


لو أتيح المجال أمام الخبراء لتقديم وجهات نظرهم بشأن حالة جميع القطاعات في الدولة لرسمت أمامنا صورة مشوهة وكأن بلدنا على وشك الانهيار لا سمح الله ، ذلك أن منطلقات التفكير السائدة تقوم كلها وفق معايير حكم المباراة الذي يترصد الأخطاء ، وليس على مبدأ اللاعبين الذين يركضون نحو الهدف !

لا توجد دراسة واحدة – على ما أعرف – تبعث على الأمل ، وذلك ليس خطأ في الدراسات ، ولكنه خلل في الطريقة التي نتناول بها مشاكلنا الكثيرة والمعقدة ، وغياب الموضوعية في تشخيص الوضع من جميع جوانبه ، واقتراح الحلول العاجلة والآجلة لوضع لا يمكن عزله عن حالة الإقليم الذي نعيش فيه ، فما هو المعيار الصحيح الذي يمكن أن نقيس عليه واقع بلد محاط بحروب داخلية في دولتين جارتين ، وصراعات معقدة في خاصرتيه بكل ما يترتب على ذلك من انعكاسات على إمدادات النفط ، والتبادل التجاري ، وكلفة الأمن ، وأعباء اللجوء ؟

ليس كافيا أن نتحدث عن الترهل الإداري ، ومكافحة الفساد ، وعن هروب المستثمرين وتعثر المنتجين ، ولا عن الفقر والبطالة والغنى الفاحش ، المهم هو معرفة الطريق الذي يوصلنا إلى اقتصاد عملي يتمتع بالقدرة على الصمود في وجه المخاطر والتحديات ، وهي كثيرة وبالغة الخطورة ما لم نعرف الطريق ، ووسائلنا الوطنية للسير عليه .

نعم ، ثمة توجه ، وعلى أعلى المستويات لإزالة العراقيل من أمام الاستثمارات الوطنية والأجنبية ، والحديث عن التعاون والتكامل بين القطاعين العام والخاص لا ينقطع ، ولكن هل بدأنا ولو خطوة عملية واحدة في اتجاه هذا التعاون ؟ هل حلت القضايا العالقة لكثير من المستثمرين العرب والأجانب ، قبل أن نعمل في اتجاه المزيد من الاستثمارات الأجنبية ؟

هناك حكايات يعرفها الجميع لا تتعلق بالقوانين ، ولا بالإجراءات الحكومية ، بل بالانتهازيين ، أو الخارجين عن القانون بلا رادع ، الذين استولوا على أراضي المستثمرين أو هاجموا مشاريع قائمة لأسباب غير مفهومة ولا مقبولة ، وهي قضايا معظمها ليست منظورة أمام المحاكم ، ولكنها تنتظر موقفا من الدولة التي يجب أن تفرض هيبتها ، وتفرض القانون على الجميع ، وتقيم الوزن بالقسط!
الطريق يبدأ من هنا ، من هيبة الدولة ، وسلامة مؤسساتها ، ومن دون ذلك فإن الإصلاحات الهيكلية ستكون عديمة الفائدة ، وقبل ذلك فإن الدعوات التي ينادي بها المخلصون من أجل عقد مؤتمر وطني يصوغ ميثاقا اقتصاديا جديدا ، وتشكيل " إدارة أزمة " لمعالجة الوضع الراهن يجب أن تجد آذانا صاغية ، وإلا سنظل تائهين عن الطريق !

إن الدراسات التي تتحدث عن الدول الأكثر نموا في العالم ، تشير إلى أن جميع تلك الدول تواجه مشاكل داخلية وخارجية معيقة للتقدم الاقتصادي ، ولكن القاسم المشترك لنجاحها هو أنها تمكنت من إصلاح مؤسساتها الحكومية والأهلية ، وضمنت الحقوق الأساسية لمواطنيها ، وكان ذلك هو طريقها نحو النمو والتقدم والازدهار .
yacoub@meuco.jo
www.yacoubnasereddin.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات