فرحة تأخير الدوام المدرسي والدلالات الخطيرة


أؤكد بداية أن لا اعتراض على تأخير الدوام من حيث المبدأ، ولكن التوقيت غير موفق، والأسباب المعلنة بعيدة عن الحقيقة. وكان الأجدر بوزارة التربية أن تكون صريحة وشفافة، وتعترف بالأسباب الحقيقية، ولم تأخر الإعلان عن ذلك حتى الرمق الأخير؟؟!!

ما يعنينا في هذه المقالة هو حالة الفرح التي سادت كثير من المعلمين والطلبة بتأخير الدوام المدرسي، وسمعنا عن إطلاق الألعاب النارية في بعض المناطق، وتبادل رسائل التهنئة والفرح لهذه العطلة الإضافية التي جاءت في وقتها بالنسبة لهؤلاء الذين وصفهم أحد الزملاء بالمهللين والراقصين، الذين يتمنون تأخير الدوام فصلاً كاملاً!

الإنسان بطبعه ميال للدعة والراحة، ولا يجد بأساً من تأجيل العمل مع أنه لا مفرَّ منه في النهاية، ولكن إعلان حالة الفرح على هذه الشاكلة وكأنها عيد من الأعياد، أمر يؤشر إلى دلالات خطيرة، وهو عرض لمرض أو أمراض في النظام والميدان التربوي، على المعنيين المسارعة إلى علاجها قبل أن يفوت الأوان، ولات حين مندم!
وفي هذه العجالة نشير إلى بعض الأسباب الكامنة وراء حالة الفرح المشتركة بين المعلمين والطلبة:

أولاً: مدارسنا في معظمها بيئة طاردة، غير محببة، لا تتوافر فيها مواصفات البيئة الآمنة الجاذبة، سواء من حيث البناء المدرسي أو الخدمات المتوافرة، أو المرافق الملحقة به، أو الإدارة المدرسية، أو مجتمع المعلمين ومجتمع الطلبة. فثمة منغصات في جانب أو أكثر تعمل كعوامل طرد وصد.

ثانياً: المنهاج المدرسي في معظمه لا يُلبي حاجات ورغبات الطلبة، ولا يناسب أعمارهم أحياناً، فلا يجد الطالب فيه ما يثيره أو يلبي رغباته ويُشبع حاجاته، فيتحول إلى عبء ثقيل يتحمله على مضض، ويستغل أي فرصة للتخلص منه، بوجود ضعف بعض المعلمين، وأساليب تدريس مملة وغير محفزة، لا تستفز الطالب، ولا تحرك طاقاته الكامنة.

ثالثاً: المنهاج المدرسي في معظمه غير مقنع للمعلمين، ولا يستثيرهم للإبداع والتجديد، ويدرسون بعض الأمور وهم لها كارهون. ويشعر المعلمون أن لا رأي لهم فيما يدرسون، وأنهم مجرد أداة تنفيذ صماء عليها السمع والطاعة. وهذا بالطبع يقلل من دافعية المعلمين، وإنتاجيتهم.

رابعاً: كثرة الأعباء والمهمات على المعلمين من تدريس وتحضير وتحليل ومناوبة وإشغال ولجان وجداول وتربية صفوف، وامتحانات وإدخال علامات، وأنصبة مرتفعة، وصفوف مكتظة، في غياب شبه تام لغرف معلمين مناسبة تتوافر فيها متطلبات الراحة والحاجات الضرورية.

خامساً: كثرة أعباء الطلبة: حصص كثيرة وطويلة، حقائب ثقيلة، واجبات بيتية، تنظيف الصفوف والساحات، إعداد وسائل تعليمية، كتابة أبحاث وتقارير، امتحانات، مع غياب شبه تام للقناعات بجدوى ما يفعلون، وشعورهم بأنهم مجبرون. وهذا يتطلب عصف ذهني معمق للخبراء التربويين للبحث عن بدائل وحلول مرضية ومحببة للطلبة.

سادساً: نمطية اليوم المدرسي لم تتغير منذ عقود، فأصاب الجميع بالملل والرتابة، فالتغيير مطلوب بما يحقق الاهداف التربوية المنشودة، ويحافظ على نشاط الطلبة وحيويتهم. فيمكن إعادة النظر في بداية اليوم المدرسي، وزمن الحصة الصفية، وزيادة عدد الحصص المحببة (رياضة، فن، نشاط، ...)، عدد الاستراحات وزمنها، آلية الطابور الصباحي، ... فإن أي تغيير يًحدث فرقاً.

سابعاً: غياب الحوافز عند المعلمين، فهناك غياب شبه تام للتحفيز والتعزيز للمعلم المتميز على مستوى المدرسة والمديرية، ولا كتب شكر لمن أبدع وتميز. فيفترض أن يكون لكل إنجاز أو إبداع أو تميز تعزيز يقابله ليشجع المعلم على المواصلة والاستمرار وتقديم الأفضل. فلم لا يُكرم ويُشكر المعلم المتميز في تعليم الطلبة، أو الأنشط في الإذاعة والنشاطات المدرسية، أو المعلم الباحث، أو المعلم القارئ، أو المعلم الأديب، أو المعلم صاحب المبادرات، أو المعلم صديق الطلبة، ... الخ.

ثامناً: غياب النشاطات المشوقة للطلبة، وسيادة جو الملل والرتابة. فقد غابت نشاطات كثيرة مثل: الرحلات العلمية، المسابقات الثقافية والعلمية والإبداعية على مستوى المدرسة، الألعاب الشعبية التراثية، المسرحيات، المباريات الرياضية بين الصفوف، المحاضرات والندوات، الورش التدريبية، ... الخ.

تاسعاً: وجود قلة غير منتمية من المعلمين تعمل كعامل هدم وتخريب، تبحث عن مصالحها الخاصة، ولا تأبه بتعليم أو خلق أو ضمير، وتتميز بقدرتها على المحاججة والتضليل والتبرير، وظهرت هذه القلة أيام إضرابات المعلمين، فوجدتها فرصة للتفلت والهروب من العمل، ولم تكن تؤمن بمطالب الإضرابات التي التزمت بها غالبية المعلمين.

عاشراً: وجود قيادات تربوية ضعيفة، مترهلة، غير كفؤة، وغير جديرة بمناصبها، تعمل كعوامل إحباط وتثبيط للمعلمين، ولا تراعي ظروفهم وحاجاتهم، وتعاملهم كطبقة دنيا لا يحق لها الاعتراض أو المخالفة، ولا يُنتظر منها إلا السمع والطاعة.

هذه الأسباب وغيرها تستدعي تضافر الجهود وتعاون الجميع، وزارة ونقابة وخبراء ومهتمين؛ للبحث عن حلول ومعالجات جدية جذرية، بعيداً عن التبرير والترقيع وتحميل الأخطاء للآخرين. فلا يهم في هذه المرحلة توجيه أصابع الاتهام، وتخوين المتهم، بل معالجة المشكلات لئلا تتحول إلى أمراض مزمنة مستعصية على الحل والعلاج.



تعليقات القراء

ابو سامى
لماذا اخذت الحكومة قرار التأجيل . وقبل 10 ايام من البدء الدراسى ؟؟؟ ومن تنبأ انه في 23 اب سيكون حر يستدعي التأجيل ؟؟هل الشعبية ام الغباء ؟؟؟هذه مأساة
ماذا يفعل الخليجيون والافارقة في الصيف ؟؟
16-08-2015 07:57 AM
ابوسامى
رغم ما ندفع في المدارس الخاصةومنها التى تدعي الاسلامية ورغم تبجحهم في بروشورات الدعاية . فلا يوجد رياضة ولا تربية فنية ولا انشطةيدوية ولا موسيقى .بالتالي القسط يجب ان ينزل 50% . لكن الاهالى ساكتين.
16-08-2015 08:03 AM
محمد قواسمه
هذا الأمر (الفرح العارم) لا ينطبق على المدارس فقط بل يشمل الجميع بلا استثناء لا أحد يحب العمل.. المشكلة عامة وبحاجة إلى دراسة وحلول حقيقية
16-08-2015 10:34 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات