تعلم الشعوب العربية حقيقة أنظمتها الفاسدة الاستبدادية العميلة الخاضعة لقوى الاستكبار العالمي و الاستعمار المتجدد, و لذلك ثارت عليها و خرجت عليها مطالبةً بإسقاطها.

كما علمت الشعوب العربية و بالتجربة أن الجماعات الإسلامية المشهورة مثل التبليغ و السلفية و التحرير و الإخوان المسلمين هي الأصدق من بين جميع الأحزاب المبثوثة في الساحة العربية ذات التوجهات الوطنجية أو القومجية أو الاشتراكية أو الشيوعية أو غيرها.

لذلك حازت الجماعات الإسلامية على ثقة الشعوب العربية سواءً في صناديق الاقتراع في الانتخابات أو بالالتحاق بالجماعات الجهادية القائمة في طول البلاد و عرضها من افغانستان شرقاً إلى موريتانيا غرباً و من الصومال و نيجيريا جنوباً إلى سوريا و العراق و الشيشان شمالاً.

هذا في العموم, أمّا في الأردن على وجه الخصوص فبرغم الثقة الشعبية العريضة التي تتمتّع بها جماعة الإخوان المسلمين و أكّدها فوزهم الكاسح المتواصل منذ انتخابات 89 البرلمانية ثم انتخابات النقابات جميعها أو انتخابات مجالس الطلبة في الجامعات حتى عام 2015 الأمر الذي لم يُعجب الحكومة فقررت اعتماد قانون الصوت الواحد لتزوير إرداة الشعب بطريقة قانونية لمنع الإخوان المسلمين من الوصول إلى تشكيل الحكومة التي هي في الحقيقة حقّ ثابت لهم منذ ذلك الحين و هم ممنوعون من ممارسة حقهم هذا حتى هذه الساعة.

بالرغم من الجمهور العريض للإخوان المسلمين في الأردن فقد دأب "البعض" حسداً من عند أنفسهم على ترديد نغمة أنّ الإخوان المسلمين عملاء للنظام و أنّهم يعملون معه من تحت الطاولة و هم في المحصّلة عملاء للأمريكان و الصهاينة.

ظلّت هذه النغمة تتردّد حتى في أوج الحراك الشعبي تخفت حيناً و يعلو صوتها أحياناً حتى ظهرت جمعية زمزم المنشقّة عن الإخوان فلقيت تشجيعاً حكومياً كبيراً ظهر جلياً بجلوس ارحيل غرايبة بين معروف و عبد الرؤوف في حفل الإشهار, ثم تبع ذلك تهديدات حكومية للجماعة باحتمال تصنيفها جماعة إرهابية أو باحتمال حلّ الجماعة باعتبارها جماعة محظورة.

سبق ذلك و تلاه أيضاً حملة اعتقالات واسعة لشباب الإخوان على آرائهم و محاكمات و أحكام طالت أيضاً نائب المراقب العام للجماعة الأستاذ زكي بني ارشيد الذي ما زال معتقلاً بسبب تعبيره عن رأيه على صفحته الشخصية.

تبع ذلك الترخيص السريع لجمعية زمزم و نقل بعض أملاك الجماعة إليها بطريقة غير قانونيّة بيّنها عدد من رجال القانون الأردنيين و الأمر في طريقه إلى القضاء, ثم تبع ذلك أيضاً منع الجماعة من إقامة فعالياتها المتعدّدة بما فيها الإفطار الرمضاني بدعوى أن الجماعة أصبحت غير مرخّصة, مع أنّه لم يعلم أحد من الذي سحب ترخيصها ؟؟ أو هل ألغى القضاء ترخيصها ؟؟ أو هل صدر من الحكومة قراراً مكتوباً رسمياً يقضي بشيءمن ذلك ؟؟ طبعاً كلّا, لم يحدث شيءٌ من ذلك على الإطلاق حتى الآن.

بعد كل هذه الاعتداءات الحكومية على جماعة الإخوان المسلمين و من قبلها التآمر على حقها بتشكيل الحكومة و منعها من هذا الحق حتى الآن ثم الإجراءات الماضية قُدُماً لإلغاء الجماعة, بعد كل ذلك بات واضحاً للشعب الأردني و بائناً بينونة كبرى حتى لأولئك " أصحاب النغمة " أنّ جميع الإتهامات التي كانوا يكيلونها للجماعة باطلة و غير صحيحة.

لقد بات واضحاً للجميع بأنّ هذه الاعتداءات و التآمرات و الإجراءات غير القانونية ضد جماعة الإخوان المسلمين إنّما هي في الحقيقة شهادة براءة لجماعة الإخوان المسلمين تعتزّ و تفتخر بها, بالرغم من الظلم الفادح الذي لحق بها جرّاء ذلك حتى الآن.

و إنّي هنا أنصح بأن تتدارك الحكومة نفسها و تصوّب غلطتها مع هذه الجماعة و تصوّب غلطتها الأكبر مع جمهور هذه الجماعة الذي يمثّل أغلبية الشعب الأردني كما هو معلوم للجميع.

يبدو لي أيضاً أنّ شهادة البراءة هذه قد يسّرها الله تبارك و تعالى في الوقت المناسب للجماعة و قبل فوات الأوان, ذلك لأنّه تلوح الآن في أفق المنطقة بوادر طيبة بآمال عريضة قد تكون الجماعة معها بأمسّ الحاجة لهذه البراءة, و صدق من قال رُبّ ضارّة نافعة.
ضيف الله قبيلات