ما بعد التوجيهي واستراتيجية التعليم


تبدأ الجامعات والكليات وهي كثيرة، بتخريج الالاف، او عشرات الالاف من الطلبة، من كل المستويات، او الشهادات المختلفة، ومن كل التخصصات العديدة القديمة والجديدة، ومع الانتهاء من زخم وعنفوان الاحتفال، واقفال باب المباركة والتهاني، يبدأ الخريجون بارسال الطلبات الى المؤسسات والشركات والدوائر وحتى الوزارات المختلفة، بحثا عن فرصة عمل، وذلك لترجمة ما تم الاستثمار فيهم، في سوق العمل، ذلك السوق المقيد والجامد في ظل اقتصاد مقيد وضعيف النمو وخامل، وبعد فترة يكتشف الخريجون، ما هي الامكانيات والفرص واحتياجات السوق وعدم احتياجاتة، ويبدأوا يلمسون ويتعايشون مع البطالة ومع نسب البطالة؟

وحسب الاحصاءات المختلفة، تبلغ نسبة البطالة في بلادنا، حوالي 30% من القوى العاملة، وتصل هذه النسبة الى معدلات اكثر عند الخريجيين الجامعيين، وقد تصل الى حوالي 80% عند الخريجين الجدد، في بعض التخصصات، وهذا الوضع هو وضع مأساوي بكل معنى الكلمة، مأساوي للخريجين وللاستثمار فيهم، ومأساوي للوزارات المعنية بالتعليم العالي والتخطيط والعمل والاقتصاد وما الى ذلك، وكذلك وضع مأساوي للمجتمع وللاقتصاد الذي يعتمد من اجل النمو والتنمية على هذه الاجيال التمعلمة والمتدربة.

وفي كل عام او فصل دراسي، يلتحق الالاف من الطلبة في تخصصات مكررة في الجامعات، وهم يعرفون ان فرص ايجاد عمل في هذه التخصصات، هي فرص ضئيلة او معدومة، وتعرف كذلك الجامعات والوزارة ان المجتمع قد اصبح مشبع او وصل الى درجة فوق الاشباع في هذه التخصصات وبالتالي لا حاجة اليها، او على الاقل لا حاجة اليها في كل الجامعات، وان بقاؤها قد اصبح عالة على المجتمع ويعكس سؤ التخطيط او الادارة من قبل الجامعات والجهات المسؤولة وكذلك يظهر عدم الاهتمام بمستقبل الخريجين وبحاجات المجتمع، حيث اضحى الاهتمام فقط بالكمية، اي أعداد الطلبة وبالتالي الاقساط والامور المالية، والتي تهدف الى حل ازمة الجامعات المالية؟

وحسب الارقام الاحصائية، التي يتم الاعلان عنها، فأن نسبة البطلة عند فئة الشباب، فقد تصل الى حوالي 41%، وحسب الخبراء والمختصين، وللحفاظ على هذه النسبة الحالية من البطالة، فأننا نحتاج الى ايجاد حوالي500الف وظيفة خلال العشر سنوات القادمة، ، وأننا نحتاج الى نمو اقتصادي سنوي يقدر بحوالي 6% من الناتج المحلي الاجمالي، وهذه نسبة مرتفعة بكل المقاييس والمعطيات، وبمعنى اخر، فأن عدم تحقيق نسبة النمو السنوية، يعني ان نسبة العاطلين عن العمل، او نسبة البطالة سوف تزداد، وما لذلك من تبعات مختلفة، وبالاخص ان عشرات الالاف من الخريجين سوف يتوافدون سنويا الى سوق العمل املا في الحصول على فرصة؟
لماذا لانتجه الى التعليم المهني

والتعليم المهني او التقني، او التعليم غير الجامعي او غير الاكاديمي، الذي تستثمر فية الدول المتقدمة الجزء الاكبر، والذي يقبل علية الكثير في هذه الدول، ورغم الحديث الكثير عنة في بلادنا، الا ان القليل قد تم من اجل تشجيع الاقبال علية، او من اجل خلق الفرص والامكانيات من اجل توجة الطلبة نحوة، ومن ثم ربطة وبشكل استراتيجي وبعيد المدى، سواء من حيث الكم اوالنوع مع احتياجات المجتمع.

وفي بعض دول العالم، ومنها الدول الاوروبية، وعلى سبيل المثال اليابان والمانيا، التي تملك اقوى الاقتصاديات في العالم، والذي تحتل الصناعة الالمانية فية اعلى المراتب من حيث الجودة والمنافسة، يقبل غالبية الطلبة على التعليم المهني والتقني، وبدون حساسية او الشعور بأنة تعليم من الدرجة الثانية، وتستثمر الدولة والقطاع الخاص فية، وتتسابق الصناعة والشركات على خريجية، ويجد الخريجين فرص عمل، ولا تبلغ نسب البطالة عند الخريجيين تلك النسب التي تنطبق على خريجي الجامعات في بلادنا؟

ومن الامور المقلقة والمزعجة عندنا، ان الالاف، بل ربما اكثر من ذلك، من الباحثين عن عمل من الخريجين، يتقدمون الى وظيفة، يتم الاعلان عنها، حتى وان لم تكن الوظيفة تلائم مؤهلاتهم او خلفياتهم او شهادتهم او خبراتهم، وهذا يدل وبدون شك على عمق الفشل وعلى كل المستويات في ربط الاستثمار في التعليم مع متطلبات سوق العمل، وبمعنى اخر هذا يعني خسارة الاستثمار من وقت ومن اموال ومن تعب وجهد، وحسب الارقام المتوفرة، فان نسبة كبيرة من المتقدمين للوظائف هم من النساء

وللاقبال على التعليم المهني كجزء من نمط حياة ومن خيارات الطلبة، فأن هذا يتطلب سياسات وقوانين وانظمة من اجل زيادة الاقبال على هذا التعليم، وهذة القوانين من المفترض ان تحدد الاسس ومن ثم الحوافز من اجل التوجة الى هذا التعليم، وهذا يتطلب ايجاد تخصصات متقدمة ومحترمة وتساهم في تقدم المجتمع كما ساهمت في تقدم مجتمعات اخرى وليس فقط تخصصات اعتاد الناس عليها كالميكانيك والنجارة والحداده ولقصاره ولبلاط وغيرهما، وهذا يتطلب كذلك توفير الامكانيات من مختبرات ومشاغل وكوادر بشرية، وهذا يتطلب زيادة الوعي عند الناس لتغيير نظرتهم الى التعليم المهني، وكأنة درجة ثانية ، وهذا يتطلب الشراكة الاستراتيجية مع القطاع الخاص الذي لا يتقدم كما يتم في المجتمعات الاخرى بدون الاعتماد على مخرجات هذا التعليم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات