يزداد تذمر علماء الاجتماع من الاعتماد المبالغ فيه على مؤشر اقتصادي واحد لقياس حالة الشعوب وتقدمها هو الناتج المحلي الإجمالي ، أو حصة الفرد من هذا الناتج ، فهناك عوامل أخرى يجب أن تؤخذ بالاعتبار إلى جانب هذا العامل على أهميته.

من أبرز الأمثلة العملية على ذلك أن حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في فنلندا تضعها في المركز السادس عشر بين الدول ، ومع ذلك فقد اعتبرت البلد الأول في العالم من حيث الازدهار العام ونوعية الحياة.

صحيح أن حصة الفرد الفنلندي مرتفعة وتبلغ 900ر36 دولار ، ولكن هناك خمس عشر دولة أخرى تتفوق على فنلندا من حيث حصة الفرد من الدخل ، فما الذي جعل الحياة في فنلندا هي الأفضل؟.

من العوامل الأخـرى نذكر الصحة العامة ، والحكم الجيد ، والأمن العام ، والحرية الفردية. وهناك عوامل تستحق الاعتبار كالبيئة الجيدة ، وأنظمة التعليم ، والثقافة والبنية التحتية.

لو كانت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي تصلح كمقياس وحيد لنوعية الحياة في بلد ما ، لكانت البلدان الخليجية في مقدمة بلدان العالم ، ولكنها بالتأكيد ليست كذلك لافتقارها لعوامل أخرى أشرنا إلى بعضها.

الناتج المحلي الإجمالي يقيس حجم الإنتاج (القيمة المضافة) داخل حدود البلد سواء قام به مواطنون أم وافدون وأجانب ، ولا يدخل في حساب الناتج المحلي الإجمالي حوالات المغتربين الواردة ، وحوالات الوافدين الصادرة ، والفوائد والأرباح المدفوعة للخارج أو المقبوضة من الخارج.

ولأن العوامل التي لا تدخل في حساب الناتج المحلي الإجمالي لها أهمية كبيرة في حالة الأردن ، فإن هذا المقياس يصبح أقل دلالة منه في بلدان أخرى أقل انفتاحا على الخارج من الأردن.

صحيح أن رضى الناس وسعادتهم تتأثر كثيرا بمستوى الدخل ، فلا مجال للتقليل من أهميته ، ولكنه ليس العامل الوحيد ، فإلى جانب التنمية الاقتصادية تبرز التنمية الإنسانية كمقياس لتقدم الشعوب وتطورها.

من سوء الحظ أننا في الأردن أسسنا وزارة التنمية السياسية ، وهي وزارة لا وجود لمثلها في العالم ، وقد استعملناها كبديل عن الإصلاح السياسي الحقيقي ، وربما جاء الوقت لاستبدالها بوزارة التنمية الإنسانية.