ما جدوى إلغاء مهرجان جرش ؟


منذ أن بدأ ما أطلق عليه غربيا ً ربيعاً عربياً، والجميع يدور في عين الفلك، كل عام، الاعتقادات نفسها، والمهرجاات نفسها، والاعتراضات والوجوه نفسها، الاغلبية تدور في حلقات مفرغة، كل طرف من الأطراف يدعي صدقية وجهة نظره، مقابل عدم مشروعية نظرة الأطراف الأخرى.مع هذا، استمرت الحياة، رغم الدماء، رغم الأجساد المحترقة، والآمال كذلك، رغم الحروب التي حطت بنا، رغم المشاريع المكتملة أو المؤاجلة أو التي اسقطت، او حتى التي أعيد استثمارها واستنباتها من جديد. استمرت الحياة، هنا، إذ أن بصيص من أمل الإستمرارية جعل الشعوب تتناسى جراحها، في بحثها عن لحظة فرح.

لحظة تعيد انبات الأمل في قلوبها وعقولها، لرسم غد أفضل.قبل أيام تم إيقاد شعلة مهرجان جرش للثقافة والفنون – رغم إعتراضي على المهرجان بالأصل – بمشاركة العديد من الفنانين الأردنين و العرب، إلى جانب العديد من الفعاليات الثقافية لم تختلف عن فعاليات الأعوام الماضية.قبل سنوات كنت من الذين يغطون صحفياً فعاليات المهرجان – تحديداً أثناء فترات إدارته من قبل السيد جريس سماوي – تنقلت بين مدرجات ومسارح وشوارع المهرجان، واستقر في أغلب الأحيان في قلب المسرح الشمالي، لحضور فعاليات نوعية كان يستضيفها. لم أجد آنذاك مسوغاً لإغلاقه، إذ يمكن القول أن المهرجان بمثابة نقطة تنفيس للمجتمع، ومكان لتبديد ضغوطات الحياة، هذا إن أخذنا وربطنا مطاعم جرش السياحية بالمهرجان.

أعود للمطالبين بإغلاق المهرجان، بإعتباره مكاناً للشرور، ودعوة للفجور، بالاعتماد على الحجة القائلة أن المنطقة على سفيح ساخن متفجر، في سوريا، كما في فلسطين، والعراق، وليبيا، واليمن، وبقاء المهرجان في مثل هذه الظروف ليس إلا استهتاراً بحيوات الناس، وعدم اكتراث بإخوتنا العرب.لنأخذ لقول على محمل الجد، ولنتفق معهم على صحة حججهم، لكننا نسأل - وبعض السؤال ظن - لماذا لم تكترث مهرجانات الدول التي تعاني من أحداث مأساوية، بيحث تم الغاءها؟ لماذا لم تتوقف عجلة الدراما المصرية عن إنتاج المسلسلات والإفلام، لا أثناء حكم الرئيس السيسي، بل أثناء فترة رئاسة الدكتور محمد مرسي قبل الإنقلاب عليه ؟ في سوريا عين الأمر، استمر الإنتاج الدرامي، ومن كافة الأطراف، لا بل إزدادت وتيرة إنتاج الدراما السورية هذا العام، بدرجة أكبر وأكثر من السنوات السابقة. أما ما خص حفلات المطربين العرب، هي الأخرى إزدادت في كل مكان، حتى داخل الدول التي تشتعل الأحداث فيها، لكننا لم نجد آي منهم يطالب بإلغاء المهرجانات، والأفلام والمسلسلات والحفلات !كما قلت سابقاً أنا ضد مهرجان جرش من حيث المبدأ، إذ أن المهرجان ومنذ سنوات أفرغ من محتواه، إذ أن المهرجان اليوم لا يقدم جديداً عدا إستنساخ السنوات الماضية، دون تجديد، أو تنويع في الفعاليات ومضمونها، دون ان يضيف للمجتمع المحلي - جرش - شيئاً يذكر، ودون أن يرفد خزينة الدولة بشيء، إذ أن المهرجان فقط يعقد ليزيد من ديونه، المتربته عليه.

لكن هذا لا يعطيني حق المطالبة بإلغاء المهرجان، فالمجتمع لا يخضع لرؤيتي، أو افكاري، مجتمع متنوع فسيفسائي، يضم المسلم، والمسيحي، العلماني والسلفي، الليبرالي، والشيوعي. ولكل فرد فيه رؤية خاصة، تختلف عن البقية.

له مطلق الحرية في التعبير عنها، بما يراه مناسباً، دون أن يتعدى على الأخرين، وهذا يتطلب من الجميع احترام خيارات الجميع، فكما يريد " البعض" الإستماع والإستمتاع بما هو ديني، ثمة من يريدون الإستماع والإستمتاع بما هو ترفيهي.وكما دافعت سابقاً عن حق البعض في الإستماع لمحاضرات الدكتور الشيخ محمد العريفي – التي جرت في إربد مؤاخراً - أدافع عن حق الآخرين في ممارسة حياتهم في حضور المهرجاانات الغنائية والثقافية،، وكما لي الحق بالإستماع للخطب والدروس الدينية، للآخرين الحق بمشاهدة الأفلام السينمائية، و الحفلات الغنائية، والفعاليات التراثية والثقافية التي تحتضنها مهرجانات المملكة. دون أن يكفر او يشيطن أحدنا الآخر، فقط، لأن وجهة نظره ورؤيته للأمور تختلف عن الآخرين.فقط، دعوا الناس تمارس الفرح كما تريد، وهذا من أبسط حقوقهم.

#خالدعياصرة
kayasrh@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات