هيبة التوجيهي حقيقة أم وهم؟!


لا ينكر أحد أن وزارة التربية والتعليم قد نجحت في ضبط امتحان الثانوية العامة، ومنعت الغش والتسريب، وأعادت له هيبة افتقدها سنوات طويلة. وذلك بفضل حسن تنفيذ المعلمين المراقبين لإجراءات الامتحان، والتزامهم بالتعليمات، وحزم الميدان التربوي في إيقاع العقوبات على كل مخالفة، وتعاون الجهات الأمنية وديوان المحاسبة، وغيرها من الجهات التي لم تقصر في أداء واجبها.
هذا النجاح لم يكن ليحصل لولا توفر إرادة الدولة وتنبهها للخطر الذي يحيق بسمعة امتحان الثانوية العامة، وأثره على جودة التعليم في الأردن وانعكاساته على المحيط العربي، الذي قد يضر بسوق الكفاءات والخبرات الأردنية في دول الخليج العربي، وأثر ذلك على الاقتصاد الأردني وتفاقم مشكلة البطالة.
جميع وزراء التربية السابقين حاولوا ضبط الامتحان، ولكنهم لم يجدوا أي تعاون من أي جهة، وتركت الحكومات المتعاقبة وزراء التربية يقعلون شوكهم بإيديهم. ولكن وزير التربية الدكتور محمد الذنيبات وجد كل الدعم والمساندة والتعاون من كل الجهات المعنية، وبقدر أن هذا الأمر جيد ورائع، ولكنه في المقابل يثير علامة استفهام كبيرة؟؟!!
للأسف أن وزارة التربية اختارت الحل الأمني لضبط الامتحان، وغلظت العقوبات بشكل غير مقبول، واستخدمت سوط التخويف والترهيب، وتحولت قاعات الامتحانات إلى دوائر أمنية وثكنات عسكرية من حيث الجو المسيطر عليها، والرهبة والقلق والضغط النفسي والتوتر التي تملأ نفوس وقلوب الطلبة والمراقبين وحتى لجان الامتحان بمستوياتها المختلفة.
الحل الأمني، قد ينجح ما دام محافظاً على وتيرته، ولكنه في النهاية حل قسري، جبري، قهري، سيؤدي إلى ردة فعل من قبل الطلبة باختراع وسائل غش وتسريب جديدة لا تخطر على البال، فهذه سنة الحياة، ولا مجال لإنكارها أو القفز عنها. ولا تنخدع الوزارة بالانضباط الظاهري، فالغش لا يتوقف بهذه السهولة، ولكنه يتكيف حسب الظروف.
الحل الأمني، لا يتوافق والتربية، فالتربية تحقق الأمن، ولكن الأمن لا يحقق التربية، ولجوء وزارة التربية إلى الحلول الأمنية اعتراف بقصورها وعجزها وفشلها في تحقيق مهمتها، في إنتاج جيل سوي مؤمن متعلم منتم إلى وطنه وأمته.
الحل الأمني لا يصنع هيبة للامتحان، وإنما الهيبة للأمن. والعقوبات القاسية لا تحل مشكلة، قد تردع وتمنع، ولكنها قد تقتل طموحاً، وتأد حلماً، وتضيع مستقبلاً، وتحبط أسراً، وتصنع مشكلات لم تكن في الحسبان.
الحل الأمني، الذي يفتخر به الوزير، ويعتبره إنجازه الأكبر والأهم، قد يكون مقبولاً كحل مؤقت، ريثما تقوم وزارة التربية بدراسة أسباب ظاهرة الغش والتسريب، وحلها حلاً جذرياً تربوياً واجتماعياً، يؤدي في النهاية إلى انضباط ذاتي عند الطلبة، ورفضهم للغش، كقيمة أخلاقية يتمسكون بها، ولا يقبلون بتجاوزها من غيرهم.
إن النجاح الحقيقي في ضبط الامتحان، وإصلاح التعليم يكمن في تحقيق هذا الهدف، في أن تكون الدراسة والتعلم هي هم الطالب وذويه، وليس تجاوز الامتحان، في أن يتعاون الجميع لتحصيل العلوم وتمثلها، كقيمة وضرورة حياتية لا غنى عنها، وما الامتحان إلا مقياس لجودة هذا التعلم الذي يحرص الطالب أن يكون متميزاً فيه بجدارة. وهنا فقط سيختفي الغش، لأن الطالب سيدرك أنه يغش نفسه، ويغش وطنه ويغش أمته إن فعل، وكل إنسان سوي سيرفض ذلك، بتوافر سبل العيش الكريم، واحترامه كإنسان، وتكافؤ الفرص.
وهكذا دراسة، تتطلب توافر النية الصادقة والمخلصة لحل المشكلة، وإجراء دراسات حقيقية واقعية، وإصلاح تربوي جذري، وحل مشكلات الميدان التربوي. ويرافق ذلك بالضرورة جهود الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، وإعلام وطني مهني لا يتنكر للقيم والأخلاق، يُكمل جهود وزارة التربية، ولا يهدمها.
إنَّ الركون إلى الحل الأمني، والعقوبات المغلظة لضبط الامتحان، دون البحث عن بدائل تربوية وأخلاقية واجتماعية تؤدي إلى انضباط ذاتي، قد تؤدي إلى إنتاج كثير من الساخطين والمظلومين والمقهورين الذين سيكونون بالضرورة مشاريع مجرمين أو متطرفين أو فاسدين.



تعليقات القراء

ابو مروان
لماذا فشل تربية الاولاد نحملها للتربية والتعليم وليس للاهل الذين هم انفسهم بحاجة الى تربية افكارهم انحصرت في حصول ابنهم على الشهادة باي وسيلة ممكنة دون اي اعتبار اخر لذلك هم بحاجة الى تغيير للمفاهيم
26-07-2015 06:46 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات