ما أُحيّلاك يا وطني!! .. وفيك رجالُ الثقافةِ العسكرية


على امتداد خريطة الوطن, رجالٌ, "يأتوك رجالاً وعلى كلِّ ضامرٍ يأتينَ من كلِّ فجٍّ عميق", على مدى سنوات الألق, وعبر دروب القلق يرتّلون من آي الله فاتحة الكتاب كمفتتح أزليٍّ أبديٍّ لكل أمر لهم, يحدو حاديهم ترانيم عشقه الوطنيّ على إيقاع السلام الملكيّ (عاش المليك, عاش المليك..) وحناجر الفتية من حولهم تشدو (موطني... موطني.... الجلال والجمال..), يدكون سنابك خيلهم (العاديات ضبحا), يمرعون في (فالس) واحد – متناغم - قوامه التهليل والتسبيح وصوت المؤذّن (معلم التربية الإسلامية في الثقافة العسكرية) ينحر جوف الضلالة, يبزُّ ستار الردة, يتهادى من فوق ذرى شيحان منطلقا من مدرسة الرشايدة (الكرك الأبية), يلامس بورعه الجمّ هام الخزعلي في عرض حوض الديسة, يناوش قلوب الأهل في معان (الوسم) والشوبك التاريخ, والفجيج (تصغير فجّ) أو قل حسينية (ابن جازي) والجفر (عودة أبو تايه) وما أدراك من هما ابن جازي وأبو تايه!, متوافقا مع همهماتُ الصوفيين في محراب مدرسة الرويشد العسكرية شرقا مرورا بسما السرحان على حدود الشمال الأشم (اهراءات الرب في قمحه) , يرددون مع المؤذن (حيّ على الصلاة, حيّ على الفلاح, قد قامت الصلاة..), يسعفهم في الدعاء معلمون ومعلمات من عمّانَ والزرقاء أن (حيّ على الوطن, حيّ على العمل, قد رفرفت الرايات الهاشمية) لتشكيل سيمفونية أخاذة تخلب الألباب تحايث حفيف البيارق الأردنية على رؤوس السواري الممتشقة فوق ميادين مدارس القوات المسلحة الأردنية قاطبة.
ما أُحيّلاك يا وطني!! وفيك رجالٌ (قيّمون) حملوا همّ الوطن وتبنوا حلمَ النشء وأمنيات الأهل ممن تحلقوا كالسوار حول معاهد العلم والتربية والرعاية العسكرية في كلّ أرض نأت عن قدرة كل (مخاتل, لوذعيّ) شقَّ الأمر عليه متعللاً باتساع المد كالجزر الضجر يتهاوى في جوف عجزه, يجوبون الأمكنةَ عبر صحراوات اكفهرّتْ فرطَ قسوة طبيعية برياح خماسينية لا ينكأ حضورها إلا زمهرير القرّ في كانون, زمهرير لطالما جمّد الدم في العروق, يتعايشون مع فروض الوطن كأنها في يقينهم أقدارٌ بقضاء الله عليهم قُدّرتْ, يخطون بخطاً وثاّبة, يسيرون عبر دروب ألِفتهم جيدا من تكرار سعيهم وطوافهم فيها, متجلدةٍ (كبقايا الوشم في ظاهر كفٍّ هرمة), دروبٌ صيّروها من عنفوان عزائمهم واحاتٍ غنّاء, يستشرفون في ظلالها رؤى ملكية استلهموها بقناعة وتمكن في مضامين وأسفار الصيد من آل هاشم (أهل الحميّة) حُماة الأوطان لا حُماة (حَمأة) الديار, ذلك الشعار الحِكروّيّ على أشياع (تيمورلنك) في الجزءِ المتصدّع المنكوب.

أما فوّحُ توجيهات قيادتهم العسكرية فقد صار لهم عطرا ربانيّا يتضوُّعُ من على جنباتهم تضوُّعَ الشيح في رِقّته, يتأرّجون بنهج قادتهم كأريج الخُزامى في أصالته, يتنسمون عبقه عبقا دحنونيا, يراقصون هفهفات الطُهر في نوى البَخَتْرِيْ ليجيبهم الزهرُ جذلانا (فرِحا) بطيب مسعاهم وصوفية تعبدهم في محراب الوطن, محرابٌ عرضه السموات والأرض طموحا وشأواً ونبل مقصدٍ وعلوَّ همِّة, فأنعمْ النظرَ أيّهذا (الأعشى) ولترعوِ يا من استمرأت الشطط, "ليسمع الجمْعُ ممن ضمَّ مجلسُنا" أنَّ ما هم فيه من طقوس (التعليم والتعلّم والرعاية) كان وسيظل إيمانا واحتسابا يتسامى فوق إغراءات العوائد المادية وغوايات الشهرة والتنفيع.

ما أُحيّلاك يا وطني!! , وفيك "رجالٌ لا تُلْهِهِمْ تجارة ولا بيع عن ذكر الله..." وحيث الله يعمر أفئدتهم ويحيط بهم يكلأهم بعنايته فهم عن ذكره غير لاهين, رجالٌ لم تفُتر عزائمُهم ولم يفُتّ في عَضُدِهم مكتسبات الطمّاعين من الَرمَك (أصحاب الوجوه المصقولة كمرآة الغريبة فرط راحةٍ ودِعة وهم يجوسون عتبات أصحاب الحظوة تملقا ورياء يزلزل المروءة من معاقلها), عفّوا (والعِفّة ديدنهم), زهدوا (حتى صار الزهد علامةً لهم تميزهم), حملوا على مناكب حجاجاتهم رؤاهم, أما زوادتهم فحُبلى بكراريس العلم والمعرفة والتربية العسكرية الوطنية, لكأنهم في سِبرِهم اليومي هذا كهولٌ رغم شبابهم فرط حكمة ورصانة, وجوههم شاخت وملامحهم تغضنت تمعّرا على مستقبل الأجيال بقلق نشمَويّ يترجم عِظم تحملهم لعبء المسؤولية الوطنية, كيف لا؟ وهم الذين روضوا تعب السنين وتأسوا بحال شاعرنا (المغدور) شهيد الوعد (المبتور) من شدقيِّ (مُصفرِّ الإست) سليل القنانة, العبد ابن العبد (كافور) لحظة أطلقها تنهيدة أخيرة اختزلت معاناته الشخصية (الحصروية) معللاً نفسه قائلاً (إذا كانت النفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام), تراهم برغم يفوعهم ونضارة أعمارهم شيوخا حليمين صبورين وقورين, لكن, وإن يكُ في ذلك الكثير من العَنَتِ فسيظلون كبارا ليغدو ناتج محصولهم بعون الله اكبر, وغلّة الوطن على يديهم أوفر, هم الرابحون لأنهم أدركوا فاطمأنوا إلى أن يوم الحساب على بيدر الوطن عسير على كل متخاذل وإذ (كل الذين تخاذلوا صعدوا وسادوا) فإن صعود المتخاذلين في عرفهم (خرط قتاد) بل هو صعود (الديَّكة المتنافخة فوق قمم المزابل) بينما سقوطهم سيكون حتما في حضرة ورعهم وزهدهم سقوطا مريعا في "مناهل" التاريخ, أدركوا أن لحظة الحساب الدنيوي من بني وطنهم في الدنيا هو ضرب لازب قبل حساب الربّ لهم يوم الموقف العظيم, فجاء رصيدهم الوطني مكسبا وطنيا وقيمة مضافة تسرُّ الناظرين بينما تقوض شغف المتربصين على خبث السؤال وتفضح عجزهم عن فك طلاسم المسألة.

ما أُحيّلاك يا وطني! وفيك رجالٌ كللهم الزمن غارا فأكرمتهم القيادة الهاشمية ومن خلفها القيادة العامة والإدارات المتعاقبة المركزية, أما الشعب الأبيّ فها هو يكرم وفادتهم (رسلا للخير) تقديرا لصدق مسعاهم ولن ينساهم, سيذكرهم التاريخ ومدونات الصحف وحكايا الأمهات والجدات للأحفاد حين يستذكرون بفخار عبدالله الأول (شهيد العتبة المقدسة) والحسين الباني (شهيد عظمته ووجعه الوطنيّ والعروبيّ والأمميّ) ووصفي (شهيد مبادئه الوحدوية) وهزاع (شهيد وقفاته الوطنية) وفراس وموفق ومعاذ (الطير الأبابيل, شهداء الذوّد عن سماواتنا الأردنية), والكثير الكثير (يرحمهم الله بواسع رحمته) ممن اصطفوا بكبرياء وشموخ في طوابير الشهادة والكرامة والسؤدد ضد الأنواء ما ظهر منها وما بطن.

ما أُحيّلاك يا وطني! وفيك ضباطٌ وجنودٌ وأفرادٌ كانوا وسيظلون نوى للتكاثف تستمطر سماء الوطن كلما حاق به الظمأ, سيظلون (كلما أطلَّ شبح الجوع برأسه) غبارَ الطلح فوق سهوله على مدِّ البصيرة قبل البصر, يبرعمون نوى البلّان رغم شحّ المياه, يترعرع على يديهم العرّْعَر ليغدوا خمائل ظليلة, يرعون حاضر الوطن والأمة في تنشئة الأجيال, يرسمون خطوط الزمن الآتِ لطلبتهم فوق مهارق وطروس من سبقوهم بيد رسام خبير في بناء صروح الأوطان.

إخوتي وأحبتي, رفاق السلاح والكتاب والقلم, سادتي من الرؤساء الأعلين (من غادر منكم متقاعدا أو منقولا أو قضى إلى جوار ربه ومن لا زال منكم ينتظر), قادة تشرفنا بالعمل تحت إمرتكم, اليوم, (كأني من غُزيّة في إهابها الحداثوي), تهصرني محبتكم, تجتاحني حمّى الحميّة والاصطفاف والتحشيد لنبل مقصدكم وكريم عطائكم وإن فارقتكم غير إني ما ابتعدت عنكم, ها قد صارت بؤرة الرؤية أشدّ تركيزا تمكننا جميعا من إدراك حقيقة وجودكم لتظل جهودكم أنصع جلاءً, تتيح للكل منا انبلاج الصورة التي انتم عليها, لأحييكم اليوم من عاصمة أبي الحسين, من عمّان ارض السماحة والجود (بلا منّة), أحييكم تحية إجلال أرسلها لكم مع كل نسمة صبح صحراوية (عذراء لم تدنسها البراغماتية الرخيصة) تداعب وجنة طفلٍ طرفيٍّ (فلاحا, لدويا أو بدويا) عقد العزم وفي ملكوت الله طاف يسعى, يحثُّ الخَطْمَ بتؤدة نحوكم في مدارسكم وانتم في شوق أبويّ للقائه, لقاءٌ أردنيٌّ بكرم الأردنيين المعهود, تلملمون شعثه, تشدون أزره, تعلون عزيمته وبأسه, أحييكم تحية لن يمنعها حؤول حائل ولا عرقلة شقيٍّ جاحدٍ لتصلكم حتى آخر حدود الوطن من رواسي التاريخ بدءا من المدورة (سبيل الحجيج الذي لطالما آنس وحشة الدراويش لبلوغ البيت العتيق), لتطوف وتتراقص فرِحةً بكم في أذرُح (إخوان صالحة) (بمحاذاة جبل التحكيم), في الديسة والغال ورمّ (الديرة العذيّة معشوقة عرار منذ المخاض الأول, وأعمدة الحكمة السبعة), في قريقرة ورحمة والرويشد والصفاوي وسما السرحان وصبحا السردية (مرابع الجود والأناقة البدوية), والجميل والرميل (الهقيش, حُمر النواظر, الحشمين - الحشيمين), وجبل بني حميدة (ذبّاحة ادْوَّل) , وغرندل الطفيلة (مناط إسنادي, الأشاوس في حِدّ الدقيق يسامرون ضريح جابر الأنصاري وفروة الجذامي أول شهيد في الإسلام,....), وكرك (الهيّة | الهبّة) (قبلتنا ومِحجُنا يوم اشتداد الصعايب شاء من شاء وأبى من أبى, معين الوطن من الحرائر والرجال الاستثنائيين), والزرقاء (الفسيفساء القشيبة, زرقاء شبيب) والحميّمة (منطلق بني العباس للدعوة الإسلامية) وما بينهما الكثير.

بُورِكتْ مساعيكم, وفقكم الله وسدّد على طريق الخير خطاكم, والى لقاء - بإذن الله - قريب.



تعليقات القراء

سائد شقاقحه
طه بيك الشوابكه تحيه لك من كل قلبي انت الذي احتار به هل انت صحفي ام معلم ام قائد ام خطيب ام اب ام اخ واحتار ما هو تخصصك لانك عباره عن موسوعه علميه لانك تلم بجميع العلوم ولم تستلم منصب الا ورفعته
24-07-2015 02:10 PM
عيد ابو تايه
لافض فوك استاذ طه مقال اكثر من رائع
24-07-2015 02:22 PM
حربي الخريشا
مبدع كالعادة ...طه بيك
24-07-2015 02:29 PM
بشار العجارمه
كل الاحترام والتقدير للأستاذ المبدع دوما طه بيك الشوابكه ...ومربي الاجيال وصنديد الثقافه العسكريه ...كلمات كلها صدق مشاعر وفن في العبارات ..وفقكم الله لخدمة الوطن ..انسان راءع وقوي العزيمه..
24-07-2015 03:29 PM
ميمون البطوش
أبدعت سيدي
24-07-2015 03:38 PM
خالد الزعبي
استاذي العزيز طه بيك انت رائع وهذا المقال يدل على مدى احترافيتك بمهنة التعليم امنياتي لك بالتوفيق وإلى مزيد من التقدم والنجاح
24-07-2015 05:15 PM
حسن المومني
مقال اروع من رائع...
صح لسانط طه بك....
والله ان الثقافة العسكرية والقوات المسلحة خسرتك وخسرتك خبراتك وادبك وعلمك ....
الله يعطيك الف عافية
24-07-2015 05:25 PM
يحيى الربابعة
شكراُ على هذا الاحساس المرهف بالزمان والمكان... المقال اشبه بنهر من العطر فاض من عمان العزيزه ليتضوع شذاه في جنبات هذا الوطن الاحلى والاغلى. للوطن والاوفياء ترفع دائما القبعات.
24-07-2015 06:36 PM
محمد مفلح عبابنه
كلام جميل جداًوأغلى من الذهب
24-07-2015 08:44 PM
محمود الشقيرات
طه بيك
مبدع يوم يشح فيه المبدعون
كان لي الشرف بالخدمة تحت امرتك كما كان لي ان عرفتك
كلمات تعبر عن ولائك المطلق
وان رحلت فلن ترحل من قلبي حيث كل الحب والتقدير
24-07-2015 10:54 PM
سامي الحوبطان
الأخ الكبير طه بك الشوابكه لقد عرفناك عن قرب كنت مثال الرجل المخلص لوطنه ومليكه والمهنية رجلا تربويا من الطراز الاول وكنت اول من ادخل مجالس التطوير لمدارس الثقافة العسكرية
25-07-2015 12:09 AM
سامي الحويطات
قمة الإبداع طه بك يسلم لسان
25-07-2015 12:28 AM
صالح دخيل الله الجازي
سلمت اناملك وقلمك المعبر مقال قمة الروعة
25-07-2015 02:26 AM
عارف الشرفات
اسميتنا الجهابذه ايها الجهبذ الاول ايها المخضرم ....فانت المواضب على تحديك لابداعك ...وسعيك الدؤوب للارتقاء بابداعك الفكري....شكرا يا معلمي وقائدي ...ابدعت بابداعك
25-07-2015 06:12 AM
ممدوح بريك الجازي
مقالة تحمل بمفردتها وجملها تاريخ أولئك المعلمون المجهلون الذين لطالما كانو ليس جنود تتعتلي هاماتهم الشجاعة والكرامة بل كانو قادة ومعلمون يحملون سيوف العلم والفكر في مدارس عسكرية كانت مثلاً في العلم.
25-07-2015 06:08 PM
احمد صوالحة
اسال الله العلي القدير ان ييسر لك من يفهم هذا الكلام الرائع ويقدر مراميه لان من يفهم الابداع كالمبدع .
31-07-2015 12:23 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات