«السلاح» في يد الناس


لم يعد كافيا الكلام. آن الاوان لجمع السلاح من يد الناس ، فكلما حدثت مشاجرة بين اثنين ، كان السلاح ثالثهما ، وكأن الشيطان ، بات في كل بيت وكل سيارة.

امن الاردن ، هو رأسمالنا ، ونقبل بكل شيء ، عدا ان يصبح الرصاص فوق رؤوسنا الناس يقبل على مضض رفع البنزين والاسعار ، ليس ايمانا بعدالة الرفع ، ولكن لكونه ينظر الى من حوله وحواليه في فلسطين والعراق واليمن ولبنان والسودان ، ويرى كيف ان القتل اليومي حرق هذه البلدان. عندنا نموت بحوادث السير وبرصاص الغضب ، او المناسبات ، وقد تكون قائمة القتلى والجرحى ، مساوية لاي حصيلة في اي بلد اخر ، ابتلي بأسباب اخرى.

القصة ليست قصة مزاودات رخيصة على احد ، لا من حيث المعنى ولا التوقيت ، فملف السلاح بحاجة الى حل جذري ، ولا يكفي ان نعّدل القانون ، ولا ان نحّمر عيوننا بوجه استخدام السلاح ، في المناسبات والمشاجرات. كل هذا كلام يتبدد مع اول سبب. والجهات الرسمية مدعوة لاطلاق حملة لجمع السلاح بكل انواعه ، خصوصا ، ان القصة لم تتوقف عند المسدسات ، فهناك قطع سلاح اخرى لا تصدق انها موجودة ، والتهريب مستمر ، وتجارته معروفة ، في بؤر محددة ، ومن جانب اناس محددين ، ومع هذا لا يخلو بيت من بيوتنا من قطعة سلاح مرخصة او غير مرخصة ، ولا افهم وجود السلاح في المنزل لمن لا يجيد ضبط اعصابه ، ولمن لا يعرف انه فقط لمن ينتهك حرمة العرض او البيت ، ذات ليلة او ذات غدر ، ودفاعا عن النفس ، لا سمح الله.

غير ذلك ، لماذا يتم اشهار السلاح ورفعه ، ولماذا تبدو كلفة استخدامه رخيصة جدا ، فالقتل ايضا جزء من المشكلة ، ومبادلة روح القتيل تتم بفنجان قهوة ، مما يجعل كلفة حمل السلاح واستخدامه بسيطة جدا ، في نظر الناس.

في عمان مثلا لا يخلو بيت من قطعة سلاح ، والامر ينسحب على المحافظات. حتى لا تبدو القصة كمن يطيل لسانه على المحافظات ، ربما هناك ما يزيد عن مليون قطعة سلاح اذا حسبنا المتوسط لعدد افراد العائلة الاردنية ، ولوجود حالات يمتلك فيها الفرد اكثر من قطعة واحدة. ما هي مصلحتنا في جعل السلاح في يد الناس ، ونحن لسنا مجتمع حرب اساسا ، وما هي مصلحتنا في عدم اطلاق حملة حقيقية فاعلة مثلما تطلقها الحكومات لتحصيل رسوم الماء او الكهرباء ، من اجل جمع السلاح. هل تعجز الجهات المختصة عن اخراج المسدس المدفون في حديقة البيت ، اذا قررت ذلك. لا اظن ذلك ابدا ، فقد ان الاوان ان نعرف ان كل شيء بحاجة لمراجعة ، فكرة السلاح وتشريع وجود السلاح ، والاهم "الكلفة"عند استخدامه قانونيا واجتماعيا ، في حفلات الزواج ونجاح الطلبة والمشاجرات.

حين تقرأ الايميلات التي تأتيك من أردنيين في الخارج ، يشعرون بالهلع من قصص وحكايات عام 2009 ، لا تستغرب ، لان صورة الاردن يتم مساسها يوميا ، بهذه القصص. ليس في نفوسنا لا سمح الله نزعة الشامتين ، ولا الفرحين. أيشمت المرء بنفسه؟. ما يهم حقا هو ان يبقى البلد آمنا مستقرا ، لاننا نعرف ان الامن اهم عنصر في حياتنا. هو العنصر الذي يجعلك تدير محرك سيارتك في الثالثة ليلا ، وتذهب من عمان الى العقبة ، وانت لست بخائف. الامن الرسمي يبذل جهدا لا ينكر. غير ان ثقافتنا يجب ان تتغير اصلا ، وان يحل مفهوم جديد ، معناه ان كلفة القتل والجرح ليست بسيطة ، ولا افهم كيف يقوم سائق سرفيس في عمان بتهديد راكب "سكران" بمسدس يضعه تحت كرسيه ، من اجل انزاله من السيارة ، لانه يحتقره ، وقد كان بالامكان ان يجبره على النزول بألف طريقة اخرى واخرى.

أمن الاردن ، أمن كل واحد فينا ، خصوصا ، اذا تذكرنا اننا لسنا في شقة مفروشة للايجار ، نتمنى لها ان تحترق لا سمح الله ، بسبب القهر من غلاء الايجار اليومي او الشهري او السنوي ، ومن هذه الروحية ، نطرق ابواب المسؤولين واحداً واحداً ونقول لهم.. الى متى هذا الصبر على القتل وادواته في بيوتنا وغرف نومنا ايضا؟ ، فالسلاح لن يختفي من يد الناس مالم تختلف كلفة استخدامه ، وهي الكلفة التي تنتهي بتقبيل الذقون ، وفنجان قهوة ، والترحم على القتيل والجريح.

يقال في المثل الشعبي (كل رأسمالك رصاصة بتسعة قروش) والواقع ان الكلفة تجاوزت التسعة قروش بكثير.. أليس كذلك؟.

mtair@addustour.com.jo



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات